قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك في سانتا مارتا آخر أخبار اليوم

 انسحابات أوروبية تربك قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك في كولومبيا , تداعيات سياسية وتجارية , آخر أخبار اليوم

قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك في سانتا مارتا آخر أخبار اليوم
قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك في سانتا مارتا آخر أخبار اليوم

في تطور دبلوماسي مثير للجدل وقابل للتأويل على أكثر من وجه انسحب عدد من القادة الأوروبيين من اجتماع رفيع بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة دول أمريكا اللاتينية والكاريبي قبل أيام من انعقاده في مدينة سانتا مارتا الكولومبية وسط مخاوف من أن تُفسَّر مشاركتهم بأنها تحد غير مباشر للرئيس الأمريكي ترامب بعدما أعلن عقوبات أمريكية وأوامر بعمليات عسكرية على أهداف يُشتبه في ارتباطها بالتهريب البحري في الكاريبي وهو ما زاد حدة التوتر مع بوغوتا وأثار حساسية سياسية لدى شركاء واشنطن الأوروبيين الذين يحتاجون إلى استمرار التنسيق الأمني والاستخباري في ملفات ساخنة مثل دعم أوكرانيا ومسار الشراكات التجارية الجديدة التي تم التوصل إليها مبدئيا خلال الصيف الماضي حسب ما نقلته تقارير دولية موثوقة. ووفق هذه المعطيات أكدت مصادر أوروبية أن رئيسة المفوضية الاتحاد الأوروبي أورسولا فون دير لايين والمستشار الألماني فريدريش ميرتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قرروا عدم الحضور لأسباب تتعلق بجدول الأعمال وانخفاض مستوى المشاركة الفعلية من الجانبين وهو تبرير رسمي يتقاطع مع تقديرات دبلوماسية ترى أن خريطة المخاطر السياسية تغيرت بسرعة بعد عقوبات واشنطن على الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو واتهامه علنا بأنه يتزعم تجارة المخدرات كما ترافقت الإجراءات مع تعزيز وجود بحري أمريكي كبير في البحر الكاريبي بذريعة مكافحة التهريب والضغط على نظام نيكولاس مادورو في فنزويلا. وقد ذكرت بلومبرغ والفايننشال تايمز أن المخاوف الأوروبية تتركز على عدم استفزاز البيت الأبيض في لحظة تفاوضية دقيقة حول ترتيبات تجارية وأمنية وأن خمسة قادة أوروبيين فقط وثلاثة من قادة أمريكا اللاتينية والكاريبي أكدوا حضورهم حتى الآن فيما تحدث مسؤول لاتيني كبير عن موجة اعتذارات في اللحظات الأخيرة ووصف الوضع بأنه شديد التعقيد مؤكدا في الوقت نفسه أن جدول القمة يتضمن ملفات حساسة كالجرائم المنظمة والهجرة والبيئة والتنمية وسلاسل الإمداد. كما أشارت تقارير إلى أن الطائرة الرئاسية الكولومبية واجهت واقعة رفض تزويدها بالوقود خلال توقف في جزر الرأس الأخضر بسبب العقوبات وهو ما دفع بيترو للقول إن قوى جيوبوليتيكية لا ديمقراطية تحاول إفشال القمة وأن الهدف الحقيقي هو عزل كولومبيا وإضعاف صوت الجنوب العالمي داخل منصات الحوار المتعدد الأطراف. وفي المقابل حاول نائب وزير الخارجية الكولومبي ماوريسيو خاراميو التهدئة مؤكدا أن الإلغاءات غير مرتبطة بقرارات واشنطن وأن بلاده ليست معزولة وأن القمة ستعقد بمستوى تمثيل ملائم لأن الهدف هو فتح قنوات تعاون عملية في الاقتصاد ومكافحة الجريمة العابرة للحدود وإدارة الأزمات المناخية. وتؤكد نفس المصادر أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز سيحضران بينما يُتوقع أن يشارك رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا في رئاسة الجلسات إلى جانب ممثلي الجانب اللاتيني الكاريبي بما يحافظ على الحد الأدنى من التوازن البروتوكولي ويمنح القمة غطاء سياسيا كافيا للانعقاد دون إرباك إضافي. وتكشف هذه المستجدات هشاشة البنية الجيوسياسية للعلاقات بين أوروبا وأمريكا اللاتينية عندما تتقاطع مع حسابات واشنطن الأمنية وتوازنات القوة في نصف الكرة الغربي حيث تنشأ معضلة بين الرغبة الأوروبية في تنويع الشراكات الاستراتيجية وبين ضرورات التحالف الأطلسي التي لا يمكن تجاوزها دون أثمان أمنية واقتصادية. كما أن ملف فنزويلا والعقوبات المتصاعدة على كاراكاس ثم الانتقال المفاجئ لمعاقبة بوغوتا يزيد من ضبابية المشهد ويجعل أي لقاء إقليمي عرضة للشد والجذب خصوصا حين تتداخل شعارات مكافحة المخدرات مع أهداف جيوسياسية أوسع نطاقا. ومن الناحية التقنية يرى خبراء التكامل الإقليمي أن قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك تمثل منصة ضرورية لتقليص الفجوة في الاستثمارات الخضراء والبنية التحتية والرقمنة وتنسيق سلاسل القيمة في المعادن الحرجة والطاقة النظيفة وأن أي تعثر جديد سيؤخر فرص الإغلاق على اتفاقات سوقية واعدة ويبدد زخم الإعلان السابق بأن التكتلين يمثلان معا نحو خمس الناتج الإجمالي العالمي ونصف مليار مستهلك. ومع أن بروكسل تصر على أن القرار بالغياب يعود لعوامل لوجستية ومضمونية فإن حقيقة اعتماد أوروبا المستمر على الغطاءين الأمني والاستخباري الأمريكيين تجعل العواصم الأوروبية تتحرك بحذر بالغ عندما تتصاعد لهجة واشنطن ضد حكومة مضيفة للقمة لأن أي مشهد يصور الأوروبيين وهم يتجاهلون رسائل البيت الأبيض قد يُقرأ في أمريكا بأنه ميل إلى استقلال سياسي غير مرحب به في ملفات حساسة. ويمكن هنا فهم بيان برلين التي قالت إن الغياب مرتبط بانخفاض مستوى الحضور العام وبيان المفوضية التي تحدثت عن أجندة القمة وحتمية ترتيب الأولويات ولو مرحليا الأمر الذي ينسجم مع نمط معروف في الدبلوماسية الأوروبية يقوم على تفادي المواجهات الرمزية والاكتفاء بإشارات حضور فني وإداري يضمن استمرار الحوار دون منح لقطات سياسية تثير لغطا إعلاميا. وتكتسب سانتا مارتا أهمية رمزية لكونها مدينة ساحلية مضيفة لفاعلية إقليمية كبيرة وتحتاج كولومبيا فيها إلى إظهار قدرتها على قيادة حوارات جنوبية شمالية متوازنة لكنها تجد نفسها اليوم في قلب معادلة شائكة حيث تُتهم من أكبر قوة على الكوكب بأنها فاعل سلبي في مكافحة المخدرات بينما تحاول في آن واحد صيانة صورة شريك ديمقراطي في الإقليم واستعادة مسارات التهدئة مع الفاعلين المسلحين على أراضيها. وفي أجواء كهذه يزداد قلق الأسواق من أن تتسع رقعة العقوبات أو تتعثر إمدادات تجارية حيوية بين أمريكا اللاتينية وأوروبا وأن تتأجل اتفاقات الولوج التفضيلي لقطاعات الزراعة والتعدين والطاقة المتجددة وهو ما قد ينعكس على خطط شركات أوروبية كانت تتهيأ للدخول إلى مشاريع استراتيجية في المنطقة خلال العامين المقبلين. ويشدد مراقبون على أن الرسالة الأوسع لهذا الحدث هي أن تسييس ملف مكافحة المخدرات وتحويله إلى ذريعة عمليات عسكرية بحرية وجوية يفتح الباب على أسئلة قانونية وحقوقية كبيرة حول شرعية استخدام القوة خارج مسار إنفاذ القانون التقليدي وحول سلامة تقييم الأهداف وعدالة الإجراءات القضائية المرتبطة بالتتبع والملاحقة خاصة بعد الجدل حول القوارب المستهدفة في الكاريبي وما أعقبه من تصريحات متبادلة بين واشنطن وبوغوتا. وقد ترددت أصداء هذه الملفات داخل النقاش الأوروبي أيضا لأن أي انزلاق في الحسابات قد يُربك الشراكات الأوروبية في الإقليم ويدفع حكومات لاتينية إلى التفاوض مع شركاء بديلين خارج الدائرة الأطلسية. وتُضاف إلى ذلك الحسابات الداخلية الأوروبية إذ تواجه عواصم كبرى استحقاقات سياسية وانتخابية وتجاذبات داخلية تجعلها شديدة الحساسية تجاه أي صورة إعلامية توحي بأنها تتحدى الرئيس الأمريكي علنا أو تتبنى خطابا لا يراعي وزن واشنطن العسكري والاقتصادي في ملفات حيوية. ومع ذلك يبقى لافتا أن البرازيل وإسبانيا تميلان إلى الحضور في رسالة مفادها أن القنوات السياسية لا ينبغي أن تُغلق وأن التعاون في مكافحة الجريمة المنظمة وتدفقات المخدرات والهجرة غير النظامية يتطلب منصات عمل مشتركة حتى في أشد اللحظات توترا وهو طرح يجد آذانا صاغية لدى أوساط الأعمال التي ترى في القمة مساحة لتصفية الخلافات العملية وتثبيت خطوط اتصال يمكن البناء عليها لاحقا. ولا يغيب عن المشهد أن المفوضية والمجلس الأوروبيين يراهنان على مشاركة مؤسسية تحفظ ماء الوجه وتثبت الالتزام بالحوار المتوازن وأن مجرد انعقاد القمة ولو بتمثيل متوسط يبعث بإشارة استمرارية وانفتاح نحو شركاء الجنوب. وتلخص هذه اللحظة المعادلة الدقيقة بين حسابات التحالف الأطلسي ومقتضيات الانفتاح على أمريكا اللاتينية والكاريبي ولعل الخلاصة التي ستخرج بها العواصم المشاركة هي ضرورة إدارة الرموز بعناية شديدة بحيث لا تُفهم لقطات المصافحة أو صور الطاولات مستديرة بأنها رسائل تحد أو اصطفاف جديد بل بوصفها تقنية لحفظ الجسور في عالم تتغير فيه الموازين بسرعة. هذه التفاصيل كلها تجري ضمن إطار إعلامي يتابع من زوايا عدة ويركز على آخر أخبار اليوم المتعلقة بجغرافيا سياسية حساسة فيها ملفات تجارة وأمن وحدود وجريمة منظمة وتقاطعات طاقة ومناخ بحيث تعكس القمة اختبارا فعليا لقدرة أوروبا وأمريكا اللاتينية على إدارة خلافاتهما بطريقة لا تُفجر ما تحقق من زخم خلال السنتين الماضيتين. وتبقى الأنظار متجهة إلى بيانات اللحظة الأخيرة لمعرفة ما إذا كانت جهود التهدئة والبروتوكول البديل ستنتج صيغا تحفظ ماء وجه جميع الأطراف وتتيح للقمة أن تؤدي الحد الأدنى من وظيفتها العملية وهي فتح طاولة نقاش منتظم في ملفات التجارة والاستثمار والحوكمة والأمن العابر للحدود بما يُشعر الأسواق أن هناك إطارا للتعاون مهما كانت ضغوط اللحظة.


وإذا حاولنا قراءة الرسالة الأوروبية تحت المجهر فسنجد أن مشهد الانسحابات يعكس نوعين من الحسابات المتداخلة الأول هو حساب التكلفة والمنفعة على المدى القصير حيث ترى عواصم الاتحاد أن حضور القادة بالذات قد يشعل سجالا سياسيا وإعلاميا داخل الولايات المتحدة في توقيت شديد الحساسية بينما يكفي الحضور الوزاري أو المفوضي لإبقاء القنوات مفتوحة دون دفع ثمن سياسي والثاني هو حساب الصورة الاستراتيجية طويلة المدى حيث لا ترغب أوروبا في أن تظهر بمظهر التابع الذي يتلقى الإملاءات بل تسعى للاحتفاظ بهامش مناورة تدريجي يضمن بناء شراكات متنوعة مع الجنوب العالمي من موقع المصلحة المشتركة والندية. ومن هنا تُفهم محاولات صياغة سردية رسمية تركز على أن أسباب الغياب تقنية تتعلق بجدول الأعمال ونسبة المشاركة وأن القرارات لا تُتخذ كرد فعل مباشر على ضغوط واشنطن. ومع ذلك تبقى الوقائع على الأرض مهمة إذ إن وجود سفن حربية أمريكية إضافية في البحر الكاريبي وعمليات جوية معلنة ضد قوارب يشتبه بأنها تنقل مخدرات وإطلاق اتهامات لاذعة بحق رئيس دولة مضيفة للقمة تمنح الحدث زخما يصعب تجاهله. وفي مواجهة هذا الواقع إذ يؤكد مسؤولون أوروبيون أن القمة ليست مكانا لتصفية الحسابات الأمريكية اللاتينية وأن هدفها الأصلي هو تطوير مسارات تجارة واستثمار ومكافحة الجريمة المنظمة وتحديث اتفاقات قديمة إلا أن الأجواء الحالية تُصعّب عزل السياسة الأمنية عن الاقتصاد. ويشير مراقبون إلى أن بروكسل إذا أرادت فعلا الحفاظ على زخم التعاون مع غوستافو بيترو وشركائه في الإقليم فعليها تطوير مقاربة توازن بين الخطاب القيمي الأوروبي حول حقوق الإنسان والديمقراطية وبين ضرورات التعامل البراغماتي مع حكومات تختلف رؤاها الاقتصادية والاجتماعية عن التيار السائد في أوروبا. كما أن الدول اللاتينية تنظر بعين الريبة إلى أي ربط بين التعاون الاقتصادي وملفات سياسية داخلية كملف فنزويلا أو مسارات التفاوض مع جماعات مسلحة داخل كولومبيا. وسيكون لافتا مراقبة كيف سيتعامل رئيس المجلس الأوروبي أنطونيو كوستا مع تحدي الرئاسة المشتركة للقمة بحيث يضمن الحد الأدنى من الحضور الرفيع دون استفزاز غير ضروري لواشنطن وبما يترك الباب مفتوحا أمام لقاءات متابعة تقنية في الأشهر المقبلة. في الوقت نفسه يراهن رجال الأعمال على أن تستمر الخطط المتعلقة بالمعادن الانتقالية والطاقة المتجددة والرقمنة والربط اللوجستي لأن تأجيلها المتكرر يرسل إشارات سلبية للمستثمرين. ومن جهة الرأي العام في أوروبا فإن صورة قادة كبار وهم يتجنبون حضور فعالية كبرى في بلد يتعرض لعقوبات أمريكية قد تُقرأ بكونها واقعية سياسية لكنها قد تُفسَّر داخليا كضعف في القدرة على تبني مواقف مستقلة وهذه جدلية قد تتحول إلى مادة انتخابية في بعض الدول. ويبقى أن نذكر أن قمة الاتحاد الأوروبي وسيلاك ليست مجرد بروتوكول إذ تمثل منصة لصياغة مسارات تعاون عملية في مكافحة الاتجار غير المشروع وغسل الأموال وتهريب البشر وتبادل المعلومات الشرطية وتعزيز القدرات الحدودية وهي ملفات تحتاج أوروبا فيها إلى شركاء موثوقين في الجنوب كما تحتاج أمريكا اللاتينية إلى استثمارات وأسواق وتقنيات وتسهيلات إنفاذ القانون. لهذا السبب فإن عقد القمة ولو بمستوى تمثيل متواضع سيبعث بإشارة عملية إلى أن الحوار لم يتوقف وأن الجسور لا تزال قائمة وأن القنوات التقنية مفتوحة على تحديث الاتفاقات التجارية وحماية الاستثمارات وحل النزاعات التجارية عبر آليات متفق عليها وهذا هو جوهر أي عملية اندماج اقتصادي عابر للأقاليم. وبين سرديات السياسة الصاخبة والاقتصاد الهادئ تبقى حقيقة أن الرأي العام المتعطش للمعلومة الدقيقة يترقب آخر أخبار اليوم لمعرفة ما إذا كانت سانتا مارتا ستصبح محطة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب الأولويات أم أنها ستكون عنوانا لجولة جديدة من الاستقطاب بين الشمال والجنوب. وفي كل الأحوال ستؤكد تجربة هذه القمة أن الاستقرار في العلاقات الدولية يحتاج إلى حساسية عالية في إدارة الرموز وأن بناء الثقة يتطلب صبرا وتدرجا وحرصا على ألا تطغى رسائل القوة على مساعي بناء الشراكات المستدامة في مجالات الأمن والتنمية والبيئة والابتكار.

إرسال تعليق

أحدث أقدم