روسيا تُعلن الحرب الجديدة: فرع مستقل للمسيّرات يُعيد صياغة المعارك

لماذا أنشأت روسيا فرعاً مستقلاً للأنظمة المسيّرة؟ وما دور المراسل العسكري في فهم هذه التحولات؟ قراءة متخصصة في مستقبل الحروب بالطائرات بدون طيار


الجيوش المسيّرة: حرب المستقبل بدون طيار
الجيوش المسيّرة: حرب المستقبل بدون طيار

لم تعد الطائرات المسيّرة مجرد أداة استطلاع أو سلاحاً مساعداً في ساحة المعركة، بل أصبحت هي القوة التي تُعيد رسم ملامح الحرب الحديثة، وتُحدد من يسيطر على الجبهة ومن ينسحب، ومن يعيش ومن يُقتل. في هذا السياق، جاء قرار روسيا الرسمي بإنشاء فرع مستقل للأنظمة المسيّرة ليكون بمثابة الإعلان الصريح أن الزمن الذي كانت فيه المسيّرة مجرد ملحق بسيط قد ولى إلى غير رجعة. فما كان يُعتبر قبل سنوات مجرد "عين في السماء" أو "طائرة استطلاع صغيرة"، أصبح اليوم يُعادل لواءً كاملاً من المدرعات، ويُفوقه تأثيراً في كثير من الأحيان. لم يعد الأمر مقتصراً على أوكرانيا، حيث أثبتت المسيّرة أنها قادرة على إيقاف تقدم دبابات، وكشف مواقع المدفعية، وتدمير خطوط الإمداد، بل امتد إلى ناغورنو كاراباخ، حيث أظهرت أذربيجان كيف يمكن لطائرة صغيرة أن تُسقط دبابة قيمتها ملايين الدولارات، وتُفشل هجوماً مُخططاً له منذ أشهر. هذه التجارب، وإن بدت متفرقة، كانت بمثابة الإنذار المبكر الذي لم يُؤخذ على محمل الجد، إلى أن أصبحت روسيا تُقاتل في جبهة تمتد لأكثر من ألف كيلومتر، وتُدرك أن كل كيلو متر فيها مراقب بطائرة مسيّرة، سواء كانت تابعة لأوكرانيا أو لقواتها هي نفسها. هنا، لم يعد الاعتماد على فرق هاوية أو وحدات مؤقتة كافياً، بل أصبح من الضروري وجود هيكل تنظيمي كامل يضم ضباطاً متخصصين، مدربين على قيادة أساطيل من الطائرات بدون طيار، يعملون وفق عقيدة قتالية واضحة، ويُدارون من غرف عمليات مركزية، تماماً كما يحدث مع المدفعية أو المدرعات أو القوات الجوية. ومن هنا، جاء القرار بإنشاء فرع مستقل، لا يُعنى فقط بتشغيل الطائرات، بل بتطوير العقيدة القتالية، وتحديد أنسب أنواع المسيّرة لكل جبهة، وتدريب المراسل العسكري على فهم طبيعة هذه المعارك الجديدة، وتزويده بمعلومات دقيقة تُمكّنه من نقل الصورة الكاملة للرأي العام.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا الآن؟ ألا تُعدّ المسيّرة بالفعل جزءاً من كل معركة؟ الجواب يكمن في الفوضى التنظيمية التي كانت سائدة حتى اللحظة. فعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، كانت الطائرات المسيّرة تُدار من قبل وحدات متفرقة، بعضها تابع للاستخبارات، وبعضها للمدفعية، وبعضها لقوات الحدود، دون وجود رؤية موحدة، أو تدريب موحد، أو حتى قاعدة بيانات مركزية تحتفظ بأعداد الأجهزة أو نوعيتها أو حالتها الفنية. هذا التشتت أدى إلى تكرار الجهود، وضياع الكفاءات، وتراجع الجاهزية القتالية في أكثر من موقع. فمثلاً، كان من الشائع أن يُعيّن مشغل مسيّرة في وظيفة مراقبة أمنية تقليدية، أو يُنقل إلى وحدة لا علاقة لها بالطيران، فقط لأن هناك نقصاً في الأفراد، دون مراعاة لخبرته أو تخصصه. هذا الأسلوب أضرّ بالتدريب، وأضعف الروح المعنوية، وأعاق تطوير قادة قادرين على قيادة عمليات جوية بدون طيار. أما اليوم، فمع إنشاء الفرع المستقل، سيتم وضع منهجية تدريب موحدة، وسلالم رواتب واضحة، ومسارات ترقية حقيقية، وربط مباشر بين المراسل العسكري وغرفة العمليات التي تدير المسيّرة، بحيث يصبح هو أيضاً جزءاً من المنظومة، وليس مجرد مراقب من الخارج. ولا يقتصر الأمر على التنظيم، بل يمتد إلى التطوير الصناعي، حيث سيكون للفرع الجديد سلطة التعاقد المباشر مع المصانع، وتحديد المواصفات المطلوبة، وتجريب الأنظمة الجديدة في ساحات قتالية حقيقية، ثم تعميم التجربة على باقي الأفرع. وقد يكون من المفاجئ أن نرى خلال العامين القادمين وحدة خاصة مسيّرة، مهمتها تنفيذ عمليات اختراق دقيقة خلف خطوط العدو، أو استهداف قادة ميدانيين باستخدام طائرات صغيرة الحجم، تعمل ليلاً، وتُطلق صواريخ موجهة بدقة متناهية. لكن مع كل هذا التفاؤل، يبقى هناك تحذير مهم: لا تعامل المسيّرة كـ سلاح سحري يُغنينا عن المدفعية أو الدبابات أو القوات الجوية. فكل سلاح يمر بمراحل صعود وسقوط، وإذا ما تطورت تقنيات التشويش أو أسلحة الليزر أو الرادارات المتقدمة، فقد نجد أنفسنا أمام جيل جديد من الحروب، حيث تُسقط المسيّرة في ثوانٍ، وتُترك القوات التي اعتمدت عليها فقط في حيرة من أمرها. لذا، يجب أن تكون المسيّرة جزءاً من منظومة متكاملة، تعمل بالتنسيق مع الحرب الإلكترونية، والمدفعية، والاستخبارات، ولا تعمل منفردة. وفي المقابل، لا يزال حلف الناتو يُصر على دمج المسيّرة ضمن الأفرع التقليدية، ما يُسبب بطء في اتخاذ القرار، وازدواجية في المهام، وغياباً للتجربة الميدانية التي تُكتسب فقط من ساحات القتال الحقيقية، وليس من المناورات المحاكاة. وبالتالي، فإن ما يحدث اليوم في روسيا ليس مجرد خطوة تنظيمية، بل إعلان أن الجيل الجديد من الحروب سيدار من غرف عمليات تُعنى فقط بالطائرات المسيّرة، وأن من لا يمتلك هذه القدرة، سيكون دائماً في موقع المتابع، وليس القائد.


 هل ستُلغي المسيّرة الحاجة إلى المدفعية التقليدية؟

 لا، بل ستُكملها. المسيّرة تُستخدم للاستهداف الدقيق، لكن المدفعية تظل ضرورية للقصف الواسع والدعم المستمر

 هل يمكن لأي جندي أن يُصبح مشغلاً للمسيّرة؟

 لا، يتطلب الأمر تدريباً متخصصاً، وفهماً تقنياً، واجتياز برامج معتمدة من الفرع الجديد

 كيف يمكن للمراسل العسكري أن يتابع هذه التطورات؟

 من خلال التواصل المباشر مع غرف العمليات، وزيارة مراكز التدريب، ومراقبة التقارير الميدانية التي تُصدرها الأنظمة المسيّرة.


إن إنشاء فرع مستقل للأنظمة المسيّرة ليس رفاهية، بل ضرورة عسكرية واستراتيجية. ففي زمن تُحسم فيه المعارك بالثواني، لا مجال بعد اليوم للتأخر أو التشتت. ومن يملك السماء الصغيرة، سيملك الأرض في النهاية.


المراسل آخر أخبار اليوم حول العالم و أبرز الأخبار العالمية والمحلية العاجلة من قلب الأحداث. المراسل العسكري : نحن نغطي التطورات العسكرية في الشرق الأوسط والعالم، ونوفر محتوى موثوقًا ومحدثًا باستمرار يشمل أخبار الجيش، الأسلحة، العمليات العسكرية، النزاعات، الدفاع، والأمن القومي. إذا كنت من المهتمين بالشؤون العسكرية أو باحثًا عن مصدر موثوق للأخبار العسكرية والتحليلات الدفاعية، فإن "المراسل العسكري" هو وجهتك الأفضل.

إرسال تعليق

أحدث أقدم