فضيحة الفساد في أوكرانيا وتحرك صندوق النقد الدولي

 المراسل يرصد تداعيات الفساد الأوكراني وتدخل صندوق النقد الدولي لإنقاذ الاقتصاد

فضيحة الفساد في أوكرانيا وتحرك صندوق النقد الدولي
فضيحة الفساد في أوكرانيا وتحرك صندوق النقد الدولي

أعلن صندوق النقد الدولي أنه سيرسل بعثة خاصة إلى كييف خلال الأسابيع القليلة المقبلة لإجراء مفاوضات مكثفة حول برنامج تمويلي جديد مدته أربع سنوات يُتوقع أن يُحل محل الاتفاقية الحالية البالغة قيمتها 15.5 مليار دولار، والتي استُهلك منها حتى الآن نحو 10.6 مليارات، وذلك في ظل تزايد المخاوف الغربية من تفشي الفساد المالي داخل المؤسسات الحكومية الأوكرانية، خاصة بعد الكشف عن فضيحة ضخمة تتعلق بتلقي مسؤولين بارزين رشاوى واختلاسات في قطاع الطاقة بلغت قيمتها نحو 100 مليون دولار، وهو ما دفع الرئيس فلاديمير زيلينسكي إلى إقالة وزيرين بارزين هما وزير العدل السابق جيرمان غالوشينكو ووزيرة الطاقة السابقة سفيتلانا غرينتشوك، فيما لاذ تيمور مينديش، الشريك التجاري القديم لزيلينسكي والملقب إعلاميًا بـ«محفظة الرئيس»، بالفرار من البلاد قبل مداهمة شقته، بينما أصدرت هيئة مكافحة الفساد الوطنية (NABU) أوامر توقيف بحق سبعة أشخاص بينهم مينديش نفسه بتهمة تلقي عمولات غير مشروعة من شركات طاقة تديرها الدولة وتوريد معدات مبالغ في ثمنها، ما أثار جدلاً واسعًا في الشارع الأوكراني وداخل الأروقة الأوروبية التي بدأت تُراجع حجم دعمها المالي لكييف، إذ شددت الناطقة باسم الصندوق جولي كوزاك على أن أي برنامج مقبل سيركز بشدة على تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد، مؤكدة أن أوكرانيا بحاجة ماسة إلى «بنية تحتية قوية لمكافحة الفساد تضمن تكافؤ الفرص»، وذلك لطمأنة المانحين الدوليين الذين يراقبون عن كثب كل قرش يُنفق على أوكرانيا، خاصة أن تقريرًا حديثًا صادرًا عن موقع «بوليتيكو» الأميركي حذر من أن كييف قد تنفد منها الاحتياطيات النقدية بحلول يونيو المقبل في حال لم تصلها حزمة تمويل عاجلة من الاتحاد الأوروبي أو صندوق النقد، وهو ما قد يضطر الحكومة إلى تأخير صرف رواتب الجنود والمتقاعدين والعاملين في القطاع العام لأول مرة منذ بدء تصعيد الحرب في فبراير 2022، مما يزيد الضغط على الإدارة الأوكرانية لتقديم أدلة ملموسة على إصلاحاتها، بينما تتردد أنباء عن توقعات بمداهمات جديدة داخل وزارة الدفاع التي شهدت هي الأخرى سلسلة من فضائح التوريدات المبالغ فيها خلال الأشهر الماضية، ما يعكس حجم التحديات التي تواجهها أوكرانيا في بناء دولة قانين قادرة على كسب ثقة شركائها الغربيين، ويُبرز أهمية الزيارة المرتقبة لفريق الخبراء الدوليين الذين سيراجعون السجلات المالية ويلتقون بمسؤولي هيئات الرقابة لضمان توجيه الأموال العامة نحو أولويات التنمية والدفاع، لا إلى جيوب الفاسدين، وفي هذا السياق يُنتظر أن تُصدر الحكومة الأوكرانية قريبًا تشريعات جديدة تُعزز من استقلالية المؤسسات الرقابية وتُجرّم التستر على جرائم الاختلاس، إلى جانب إطلاق حملة توعية شعبية تُبرز أضرار الفساد على الاقتصاد الحربي، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي وطمأنة المجتمع الدولي بأن كييف عازمة على استكمال مسار الإصلاح مهما كانت التكلفة السياسية، بينما يرى محللون اقتصاديون أن نجاح هذه الجهود سيكون عاملاً حاسمًا في تحديد حجم المساعدات المستقبلية، بل وقد يؤثر على معدلات الفائدة التي تُمنح بها القروض، ما يجعل الفترة المقبلة اختبارًا حقيقيًا لمدى جدية القيادة الأوكرانية في بناء نظام اقتصادي شفاف يستطيع الصمود طويلًا أمام التحديات الأمنية والمالية معًا.

وتزامنًا مع هذه التطورات، أصبحت أروقة صندوق النقد الدولي والبرلمانات الأوروبية ساحة لمناقشات حادة حول كيفية ربط المساعدات المالية بمؤشرات قابلة للقياس في مجال مكافحة الفساد، حيث يُطالب عدد من أعضاء الكونغرس الأميركي والبرلمان الأوروبي بآلية رقابية صارمة تضمن وقف أي تمويل فور ثبوت وجود شبهات مالية، وهو ما يُضيف عبئًا جديدًا على كييف التي تحاول جاهدةً إظهار التزامها بمعايير الشفافية، إذ أعلن رئيس الوزراء دينيس شميهال أن الحكومة ستُطلق منصة إلكترونية تتيح للمواطنين والمراسل الأجنبي على حد سواء تتبع تدفقات المال العام لحظة بلحظة، على أن تُربط هذه المنصة بقواعد بيانات الجمارك ووزارة المالية والبنك المركزي، ما يُمثل خطوة غير مسبوقة في المنطقة، كما تعهد بتعيين مدعين متخصصين في قضايا الأموال العامة داخل كل وزارة، إلى جانب تفعيل صلاحيات التفتيش الم surprise لدى هيئة الرقابة المالية، وفي المقابل تُحضّ بعثة الصندوق قائمة بالإصلاحات المطلوبة تتضمن إلغاء الإعفاءات الضريبية غير المبررة، وإعادة هيكلة الشركات الحكومية الخاسرة، وإجبار كبار المسؤولين على الإفصاح عن الذمة المالية سنويًا بشكل علني، وهي مطالب يراها خبراء اقتصاد أوكرانيون فرصة تاريخية لإعادة صياغة العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطن، إذ إن تحقيق زيادة بنسبة 15٪ في الإيرادات الضريبية دون رفع المعدلات يُعد ممكنًا في حال القضاء على التهرب والتهريب، ما يُوفر موارد ضخمة للإنفاق العسكري والاجتماعي دون الاعتماد المفرط على المُنح الخارجية، بينما تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة أن نسبة الثقة في مؤسسات الدولة ارتفعت بشكل طفيف بعد إقالة الوزيرين المُتورطين، لكنها ما تزال دون المستوى المطلوب، ما يعكس حاجة الحكومة إلى مضاعفة الجهود الإعلامية والقانونية لاستعادة ثمة الشارع، وفي هذا السياق يُنتظر أن يُنظم الاتحاد الأوروبي مؤتمرًا دوليًا في بروكسل الشهر المقبل لجمع تمويلات إضافية مرتبطة بخطة إصلاحية واضحة، على أن تُقدم أوكرانيا تقريرًا شفافًا أمام المانحين يتضمن نتائج التحقيقات الجارية مع المُتورطين في فضيحة الطاقة، إلى جانب خطة زمنية محددة لتنفيذ توصيات صندوق النقد، ويُرجح أن يُصدر المجلس الأوروبي بيانًا مشتركًا يُؤكد استمرار الدعم السياسي والمالي لكييف بشرط الإيفاء بالالتزامات المتعلقة بالحوكمة، ما يعني أن مستقبل المساعدات الغربية لم يعد رهنًا فقط بالمعارك العسكرية على الجبهات، بل أيضًا بالمعارك المالية والأخلاقية داخل مكاتب المسؤولين، وعليه فإن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد ما إذا كانت أوكرانيا ستنجح في تحويل أزمة الفساد إلى فرصة تاريخية لإرساء دولة القانون، أم أن التراجع عن الإصلاحات سيعرضها لخطر تراجع الدعم الغربي في الوقت الذي تشتد فيه الحاجة إلى كل دولار وكل رصاصة على حد سواء، ويبقى على عاتق القيادة الأوكرانية إثبات أن مكافحة الفساد ليست مجرد شعارٍ إعلامي، بل مسارًا لا رجعة عنه يبدأ من قمة الهرم وينتهي عند أصغر موظف حكومي، وفي ظل هذه الظروف يُصبح دور المراسل الدولي أكثر أهمية من أي وقت مضى في نقل الصورة الكاملة لما يجري داخل كييف إلى الرأي العام العالمي، ما يزيد الضغط الإيجابي على صناع القرار ويُسهم في تسريع عملية الإصلاح الشامل.


ما تأثير فضيحة الفساد الأخيرة على المساعدات المالية المخصصة لأوكرانيا؟

أدت الفضيحة إلى تشدد المانحين واشتراط صندوق النقد إصلاحات حاكمة جديدة قبل إطلاق أي برنامج تمويلي إضافي.

كيف تنوي الحكومة الأوكرانية تعزيز الشفافية مستقبلاً؟

عبر إطلاق منصة إلكترونية لرصد الإنفاق العام، وتعيين مدعين متخصصين، وإلزام كبار المسؤولين بالإفصاح عن ذممهم المالية سنويًا.

هل يُمكن لأوكرانيا الاستغناء عن دعم صندوق النقد والاتحاد الأوروبي؟

وفق تقارير «بوليتيكو» فإن كييف ستنفد مواردها بنهاية يونيو دون دعم خارجي، ما يجعل الاستغناء مستحيلًا في الوقت الراهن.


بات واضحًا أن معركة أوكرانيا الحقيقية ليست فقط على الجبهات العسكرية، بل داخل مكاتب المسؤولين الذين يحددون مصير المليارات المخصصة للنصر والإعمار، وكلما أسرعت كييف في ترجيم إرادة مكافحة الفساد إلى تشريعات ملزمة، كلما ضمنت استمرار دعم صندوق النقد الدولي وشركائها الغربيين، وبالتالي حفظت استقرارها الاقتصادي ورواتب جنودها حتى لحظة السلام المنشود.

إرسال تعليق

أحدث أقدم