أزمة تجنيد أوكرانيا تقرير خاص من المراسل

 رئيس بلدية كييف يدعو لخفض سن التجنيد , هروب الشباب والخلافات الداخلية : تقرير خاص من المراسل

أزمة تجنيد أوكرانيا 2025
أزمة تجنيد أوكرانيا 2025


في ظل استمرار الحرب الضارية التي تشهدها أوكرانيا، تتصاعد حدة الأزمة البشرية التي تواجه الجيش الأوكراني، حيث اعترف رئيس بلدية كييف، فيتالي كليتشكو، بأن البلاد تواجه "مشاكل هائلة" في إيجاد جنود جدد لسد الثغرات في صفوفها القتالية، في وقت يفر فيه آلاف الرجال إلى الخارج هرباً من التجنيد الإجباري. جاءت تصريحات كليتشكو خلال مقابلة خاصة مع مجلة بوليتيكو، حيث سلط الضوء على المعضلة الأخلاقية والعملية التي تواجهها القيادة الأوكرانية بين ضرورة تعزيز الدفاعات العسكرية في مواجهة التقدم الروسي المطرد، والحفاظ على النسيج الاجتماعي وعدم استنزاف جيل كامل من الشباب. وأقر كليتشكو بأن الأزمة تفاقمت بشكل ملحوظ بعد أن قامت السلطات بتخفيف قواعد الخروج من البلاد في أغسطس الماضي للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و22 عاماً، والذين كانوا ممنوعين سابقاً من المغادرة. وتشير البيانات الصادرة عن يوروستات، مكتب الإحصاء التابع للاتحاد الأوروبي، إلى منح دول الاتحاد الأوروبي أكثر من 79 ألف قرار جديد للحماية المؤقتة للأوكرانيين في شهر سبتمبر وحده، مما يمثل زيادة صادمة بلغت 49% عن شهر أغسطس، وهو أعلى ارتفاع شهري منذ منتصف عام 2023، مما يؤكد وجود موجة هروب جماعي تستنزف الاحتياطي البشري الذي تعتمد عليه البلاد في معركتها من أجل البقاء.

وفي محاولة لاحتواء هذه الأزمة المتصاعدة، اقترح كليتشكو خفض سن التجنيد بشكل أكبر لردع الشباب الأوكراني من مغادرة البلاد، مستذكراً أن "في الماضي، كان الشباب بعمر 18 عاماً يخدمون في الجيش". غير أنه سرعان ما تراجع عن هذه الفكرة المثيرة للجدل معترفاً بأن "هؤلاء أطفال"، مقترحاً بدلاً من ذلك خفض السن "بسنة أو سنتين – إلى 23 أو 22 عاماً". هذا التردد في المواقف يعكس عمق المأزق الذي تعيشه كييف، حيث تتعارض الضرورات العسكرية القاسية مع الاعتبارات الإنسانية والاجتماعية. وتأتي هذه الدعوة في أعقاب قرار أوكرانيا العام الماضي خفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً، إلى جانب تشديد إجراءات التنفيذ في محاولة يائسة لإعادة ملء صفوف قواتها العسكرية التي تواصل تكبد خسائر فادحة في الأرواح وفقدان الأراضي لصالح القوات الروسية. وقد حث بعض المسؤولين الغربيين، الذين يتابعون الموقف عن كثب، كييف على خفض السن إلى 18 عاماً مباشرة، لكن الرئيس فولوديمير زيلينسكي قاوم هذا الضغط، مفضلاً بدلاً من ذلك التركيز على المطالبة بمزيد من المساعدات العسكرية من حلفائه. إلا أن واقع نقص الجنود على الأرض يفرض نفسه بقوة، حيث أصبحت عملية التجنيد بجميع أشكالها مشوبة بالتجنيد العنيف، والاحتجاجات الواسعة، وانتشار فضائح الفساد، مما جعلها واحدة من أكثر القضايا انقساماً وإيلاماً في المجتمع الأوكراني. وقد أثارت عمليات الاعتقال القسري للمدنيين غير الراغبين في القتال غضباً شعبياً عارماً، حيث انتشرت على منصات التواصل الاجتماعي مئات المقاطع المصورة التي تظهر رجالاً يتم احتجازهم قسراً في الشوارع، وتوثق الاشتباكات العنيفة بين ضباط التجنيد والمجندين المحتملين، مما يخلق صورة قاتمة عن الوضع الداخلي. وأكد المراسل أن الرأي العام الأوكراني لا يبدو متقبلاً لفكرة خفض سن التجنيد مزيداً، حيث أظهر استطلاع للرأي أجرته "نيو فويس أوف أوكرانيا" في شهر مارس أن نسبة مذهلة بلغت 86.5% من المستجيبين يرون أنه لا ينبغي خفض سن التجنيد بأي حال من الأحوال، مما يضع القيادة السياسية في مواجهة مباشرة مع إرادة الشعب الذي تدعي الدفاع عنه. وتكشف هذه الأرقام عن هوة عميقة من عدم الثقة والخوف تسود المجتمع، حيث يبدو أن إرادة البقاء على المستوى الفردي بدأت تتعارض مع الخطاب الوطني السائد. إن مشهد الهروب من الخدمة العسكرية لم يعد مجرد حالات فردية، بل تحول إلى ظاهرة جماعية تعكس إحساساً عاماً بالإرهاق وتراجع الأمل في تحقيق نصر سريع، مما يخلق تحدياً وجودياً لأوكرانيا يتجاوز ساحة المعركة ليصل إلى جوهر تماسكها الاجتماعي وقدرتها على الاستمرار في صراع طويل الأمد تتداخل فيه العوامل العسكرية والاقتصادية والنفسية بشكل معقد.

المراسل آخر أخبار اليوم حول العالم و أبرز الأخبار العالمية والمحلية العاجلة من قلب الأحداث. المراسل العسكري : نحن نغطي التطورات العسكرية في الشرق الأوسط والعالم، ونوفر محتوى موثوقًا ومحدثًا باستمرار يشمل أخبار الجيش، الأسلحة، العمليات العسكرية، النزاعات، الدفاع، والأمن القومي. إذا كنت من المهتمين بالشؤون العسكرية أو باحثًا عن مصدر موثوق للأخبار العسكرية والتحليلات الدفاعية، فإن "المراسل العسكري" هو وجهتك الأفضل.


ما هو سن التجنيد الحالي في أوكرانيا؟

 السن الحالي للتجنيد الإجباري في أوكرانيا هو 25 عاماً، بعد أن تم خفضه من 27 عاماً في العام الماضي في محاولة لتعزيز القوات المسلحة.

 لماذا يهرب الرجال الأوكرانيون من الخدمة العسكرية؟

 يهرب العديد من الرجال بسبب المخاوف المشروعة على سلامتهم الشخصية في ظل الخسائر البشرية الهائلة، والإرهاق من طول أمد الحرب، والمشاهد اليومية لعنف عمليات التجنيد والاشتباكات على الجبهة.

 كيف يستجيب الشعب الأوكراني لاقتراحات خفض سن التجنيد؟

 يستجيب الغالبية العظمى من الشعب الأوكراني برفض قاطع لأي فكرة لخفض سن التجنيد أكثر مما هو عليه، كما بينت استطلاعات الرأي، أنها ستستهدف صغار السن وغير المستعدين للمواجهة.


تواجه أوكرانيا مأزقاً وجودياً يتمثل في تناقض صارخ بين الضرورة العسكرية الملحة لتعزيز صفوف جيشها المتضرر، والإرادة الشعبية الرافضة لسياسات تجنيد توسع من قاعدة المستهدفين. تؤكد أزمة نقص الجنود وهروب الشباب أن الحل العسكري وحده قد لا يكون كافياً، وأن استمرار الحرب يعمق الانقسامات الداخلية ويدفع البلاد نحو مزيد من الاستنزاف البشري والاجتماعي، مما يضع مستقبلها على المحك.

إرسال تعليق

أحدث أقدم