وبحسب كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، فإن نحو 300 ألف طلقة مدفعية مفقودة
![]() |
الاتحاد الأوروبي غير قادر على الوفاء بوعده بشأن قذائف أوكرانيا |
سجّل الاتحاد الأوروبي عجزًا يقدَّر بنحو 300 ألف قذيفة مدفعية عن تعهّده المعلن بتوفير مليوني طلقة لأوكرانيا. هذا ما أكدته رئيسة الدبلوماسية الأوروبية كايا كالاس، في تصريحٍ يحمل مزيجًا من المكاشفة والدعوة إلى الإسراع. كالاس ناشدت العواصم الأوروبية، يوم الاثنين، أن تدفع بما تبقّى من شحنات عبر «المسافة الأخيرة» نحو الجبهة، وأن تُبقي قنوات الدعمين العسكري والمالي مفتوحة بلا تردد. الفكرة بسيطة في ظاهرها: الوعود يجب أن تتحول إلى صناديق ذخيرة على الأرض، لا إلى أسطرٍ في نشراتٍ صحفية أو خلايا جداولٍ في ملفاتٍ بيروقراطية. أمّا في باطنها، فالمسألة أكثر تعقيدًا: النقص ليس خطأً واحدًا يمكن الإشارة إليه بالإصبع، بل نتيجة تراكماتٍ صغيرة عبر سلاسل الشراء الوطنية، وعنق الزجاجة الصناعي، وتبدد زخمٍ سياسيٍّ بدا ملموسًا منذ الصيف.
بالنسبة لأوكرانيا، التي تبني خطط الدفاع والتموضع على تدفقاتٍ يمكن التنبؤ بها من ذخائر العيار الثقيل، فإن غياب 300 ألف قذيفة لا يُقرأ كبندٍ محاسبي على هامش تقرير. إنه يعني تناوباتٍ تأجلت، ومهامّ مضادة للبطاريات عُلّقت، وهوامش أمانٍ تضيق حين تشتدّ وطأة النيران الروسية. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، قد يغدو هذا العجز اختبارًا للمصداقية: فإذا تعهّدٌ رمزي بحجم «مليوني قذيفة» لا يُنجز ضمن الإطار الزمني المعلن، فسيُطرح السؤال، داخليًا وخارجيًا، عمّا إذا كانت أوروبا قادرة حقًا على التسليم حين يتطلب الأمر حجمًا وسرعة.
ولكي لا تبدو الصورة قاتمة بالكامل، قدّمت كالاس عنصرَ موازنةٍ لافتًا: نحو مليون قذيفة «متوافرة الآن» عبر مسارٍ توريديٍّ منفصل تقوده براغ. هذه القناة—«المبادرة التشيكية للذخيرة» التي أطلقت في 2024—وُلدت بفكرةٍ عملية: تجميع التمويل، وشراء قذائف العيار الكبير من شبكةٍ واسعة من المورّدين أينما وُجد المخزون، لا حيث تدور عجلات المصانع الأوروبية وحسب. الهدف كان السرعة، وتحييد وقت الانتظار إلى أن تكتمل خطوط إنتاجٍ جديدة داخل الاتحاد. من هنا جاء تشديد كالاس على «التوافر الفوري»: الذخيرة موجودة، شرط أن تُفتح صنابير التمويل وتُزال العقبات الورقية. في المقابل، تضمّن هذا التشديد إقرارًا غير مباشر بأن آليات الاتحاد التقليدية شهدت بطئًا في التسليم مع مرور العام، وأن الأشدّ إلحاحًا من احتياجات كييف بات يُلبَّى مجددًا عبر ترتيباتٍ مخصصة أو ثنائية أو مرتبطة بغرضٍ محدد.
لكن المسار التشيكي لم يَخلُ من الجدل. تقارير صحفية—بينها تحقيق لراديو أوروبا الحرة—ذكرت أن بعض الشركات التشيكية على خط التوريد تقاضت عمولاتٍ أعلى كثيرًا مما تدفعه عادةً الهيئات الأوكرانية الرسمية، حتى قيل إنها بلغت أضعافًا عدة في حالاتٍ بعينها. كما أشارت تقارير إلى تأخر شحناتٍ عن جداولها المتفق عليها، وإلى وصول دفعاتٍ بدرجات جودةٍ متفاوتة أو أدنى من القياسي، وهو ما يفتح باب التساؤل حول معايير التدقيق حين تصبح السرعة هي المعيار الأوّل. المعارضون يرون في ذلك نموذجًا لمخاطر الشراء العاجل في سوقٍ مجزأة: حين تتكاثر حلقات الوساطة بين المموِّل وخط الإنتاج، ينبغي أن تكون الرقابة أشدّ صرامةً وإلا انزلقت الكلفة والجودة. في المقابل، يرى مؤيدو النهج أن زمن الحرب لا يحتمل الترف: قذائف أغلى اليوم قد تكون، عمليًا، أقل كلفةً من قذائف أرخص تأتي متأخرة. كالاس بدت أقرب إلى هذا البراغماتية؛ فهي تتحدث عن «إعادة توزيعٍ للأموال أو إجراءاتٍ أخرى» لسدّ فجوة الاتحاد، في إشارةٍ إلى إمكانٍ مزدوج: فتح التمويل لقنواتٍ أسرع، وتشديد الضوابط ضد هوامش غير مبررة أو جودةٍ دون المستوى.
يعود هدف «المليوني قذيفة» إلى مبادرة طرحتها كالاس في مارس، اقترنت حينها بسقف دعمٍ عسكري معلن قُدّر بنحو 40 مليار يورو. لاحقًا، انكمش الرقم إلى 5 مليارات تحت ضغطٍ من عدة عواصم، لكن لبّ الخطة بقي كما هو: تحريك كمياتٍ كبيرة من الذخيرة إلى أوكرانيا. وعلى طريقة ما بعد 2022 في أوروبا، اندفع الطموح من بروكسل، ثم دخل غرف الميزانيات والاصطفافات الداخلية والسياسات الصناعية في العواصم. وكلما صغُرت الحزمة وامتدّ الجدول، بقيت روح المبادرة لكن خفت تأثيرها. رغم ذلك، ظلت الذخيرة قلب الخطة؛ فالمدفعية—على تواضع مظهرها—لا تزال تحدد إيقاعًا واسعًا من العمليات. شهرٌ يُؤخَّر فيه التسليم، يعني بالضرورة إعادة توزيع الإسناد المدفعي على خطوطٍ أطول، ومساحة مناورةٍ أضيق للقادة.
المؤشرات الرقمية تؤكد تباطؤًا ملموسًا. فبحسب «متتبع دعم أوكرانيا» لمعهد كيل، هبطت المساعدات العسكرية الأوروبية بنحو 60% في صيف 2025 مقارنةً ببداية العام. الأسباب متعددة الطبقات: انتخابات وتعديلات حكومية تبدّل الأولويات؛ سقوف إنفاق وضغوط معيشية محلية؛ ومعارضةٌ سياسية تتحدّث عن كلفة الدعم وطوله وجدواه. يضاف إلى ذلك سقف القدرة الإنتاجية نفسه: حتى مع الورديات الإضافية وخطوطٍ جديدة، لم تلحق طفرات الصناعة الدفاعية تمامًا بوتيرة الاستهلاك الأوكراني. مداخلة كالاس الآن تبدو محاولةً لكبح الإنهاك والقصور معًا: حِزمٌ أُعلن عنها ينبغي أن تُنفَّذ، لا أن تُعاد صياغتها مرارًا، لأن «المسافة الأخيرة» في العهد المليوني ستكون الأكثر إضرارًا بالصورة إن تَعثَّرت.
على خطٍ موازٍ، تُواصل موسكو حملتها الخطابية ضد تسليح أوكرانيا من الغرب: تقول إن الإمدادات تطيل حربًا لن تغيّر مآلها، وتزيد خطر احتكاكٍ مباشر بين روسيا والناتو. هذا الخطاب يخاطب الرأي العام الأوروبي، ويُؤطر كل دفعة تسليح كتصعيد، ويحاول فصل الكلفة السياسية عن الأثر العملياتي. الأوروبيون يرفضون هذه السردية في العلن، ويجادلون بأن دعم دفاعات كييف يخفف احتمال حربٍ أوسع عبر فرض كلفةٍ على العدوان الآن بدل دفعها لاحقًا. لكن قوة الحجة داخل النقاشات المحلية لا تُنكر—والتراجع الموسمي في الدعم مؤشر على تمكنها في بعض الأوساط. إن فشلًا في بلوغ «المليوني قذيفة» سيُستغل، بلا شك، كدليلٍ إضافي على تراجع العزم.
خلف العناوين، تتحرك التفاصيل الثقيلة: إنتاج ذخائر العيارات الكبيرة يحتاج أزمنة توريدٍ طويلة للدوافع والمتفجرات والمطروقات الفولاذية، ويخضع لاختباراتٍ وسلامةٍ لا يمكن القفز عليها. وحين توسّع المصانع طاقاتها، لا بد أن يتوسع المورّدون المساندون بالتوازي، وأن تُنظَّم شبكات نقلٍ قادرة على تحريك أحمالٍ ثقيلة عبر الحدود إلى نقاط التجميع الأوكرانية. تباينات العيارات الوطنية ومعايير الصواعق وأنماط التغليف تضيف طبقةً أخرى من التعقيد. هنا تظهر جدوى الشراء المجمّع—سواء على مستوى الاتحاد أو عبر المبادرة التشيكية—بوصفه أداةً لتجميع الطلب وتوحيد المواصفات وإرسال إشارات يقينٍ إلى الصناعة تبرّر استثماراتٍ رأسمالية تُرفع بها السعات. غير أن كثرة الحلقات بين المال وخط الإنتاج تعني رقابةً أشد: انضباط الأسعار، صرامة الجداول، وضبط الجودة—وهذه بالضبط عناوين الجدل حول القناة التشيكية.
![]() |
كالاس |
يبقى السؤال المالي حاسمًا: كيف نحصّل 300 ألف قذيفة بسرعة؟ بعد انكماش الحزمة العامة إلى 5 مليارات يورو، يجري التفكير في إعادة تخصيص بنودٍ غير منفَقة، أو تعزيز القنوات الأنجع، أو خلق حوافز تدفع الدول نحو المورّدين الأسرع والأوثق. «إعادة التوزيع» قد تعني نقل الأموال من المسارات البطيئة إلى من يملك مخزونًا جاهزًا، وقد تعني أيضًا تشديد الشروط على الوسطاء لتقليل تسرب العمولات وربط الدفعات بالتسليم المتحقق فعليًا. المعادلة السياسية حساسة: الجميع يريد سرعةً ومحاسبة، دون خنق المرونة بشريطٍ أحمر. حلٌّ عملي مطروح: تمويلٌ قائم على معالم قابلة للتحقق—دفعات تُسدَّد مقابل دفعاتٍ مُختبرة باليستيًا من جهة مستقلة، وموثقةٍ بشفافيةٍ في الشحن، ومؤكدةٍ من المصنع. بهذا يمكن معالجة هواجس الجودة والجدول الزمني مع الحفاظ على تدفق الحجم.
في ردهات التخطيط العسكري الأوكراني، موثوقية التوقيت لا تقل شأنًا عن الكم. الاستهلاك المدفعي يُنمذج على أسابيعٍ وأشهر، ويُوازن بما يتوقع وصوله وبإيقاع العمليات. دفعاتٌ تأتي متأخرة أو متقطعة تعني نيرانًا تُكبح، أو ذخائر تُركّز في قطاعاتٍ بعينها، ما يقيّد الخيارات وقد يسلّم زمام المبادرة. فجوة 300 ألف طلقة—حتى لو سُدّ جزءٌ منها من قناةٍ أخرى—تفرض اختياراتٍ صعبة: هل تُقدَّم مهامّ مضادّة البطاريات على مهامّ المنع؟ هل يُدعَم الهجوم أم يُدَّخر المخزون لذرى دفاعية لاحقة؟ هل تُقبَل مخاطرةٌ أعلى في قطاعٍ هادئ لتثبيت قطاعٍ مهدَّد؟ هذه ليست أسئلة تجريدية؛ إنها تحدد إيقاع يوم الحرب.
رسالة كالاس، في نهاية المطاف، مزدوجة الملامح. تقنيًا، حددت الفجوة وأشارت إلى مصدرٍ متاحٍ فورًا—رغم ما يحيط به من جدل—ولمّحت إلى مرونةٍ مالية مطلوبة لاستغلاله. سياسيًا، ذكّرت العواصم بأن كلفة الإخلال لن تُقاس فقط بما يتحمّله الأوكرانيون من خطر، بل أيضًا بسمعة أوروبا الاستراتيجية نفسها: التعهدات ينبغي أن تُحترم، والأهداف التي رُفعت إلى مرتبة رموز العزم ينبغي بلوغها. الأسابيع المقبلة ستكشف: إما أن يُحشد ما تبقى من 300 ألف قذيفة ويُغلَق ملف الهدف، مع دروسٍ ستبقى حول نزاهة المشتريات وتوسيع الصناعة ومخاطر الاعتماد على الحلول العاجلة؛ وإما أن يبقى العجز علامةً تُضاف إلى سردية ترددٍ أوسع. وفي كلتا الحالتين، لا تتبدّل الحقيقة: احتياجات أوكرانيا آنية ومستمرة، وقدرة أوروبا على تلبيتها تُقاس بنتاج المصانع وساحات الشحن ونقاط العبور—حيث تُحصى المصداقية بالصناديق، لا بالبيانات.