بلغاريا تفتح أجواءها لاحتمال عبور بوتين إلى قمة بودابست مع ترامب

صوفيا تؤكد أنها “لن تضع العراقيل” لتسهيل لقاء يبحث سبل دفع تسوية للحرب في  وحظر الطيران الروسي 

بلغاريا تفتح أجواءها لاحتمال عبور بوتين إلى قمة بودابست مع ترامب
بلغاريا تفتح أجواءها لاحتمال عبور بوتين إلى قمة بودابست مع ترامب

في تطوّر دبلوماسي لافت هذا اليوم الثلاثاء، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أعلنت بلغاريا أنها مستعدة لفتح مجالها الجوي أمام طائرة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في حال قرّر السفر إلى بودابست للمشاركة في قمة مرتقبة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وجاء الموقف على لسان وزير الخارجية البلغاري جورج جورجييف، الذي أوضح في مقابلة مع الإذاعة الوطنية البلغارية أنّ بلاده «لن تضع العراقيل» إذا كان الهدف هو تهيئة الظروف للقاء قد يُسهم في دفع مسار تسوية النزاع في أوكرانيا، مضيفًا بتساؤل بلاغي: «كيف يمكن عقد اجتماع إذا كان أحد الطرفين غير قادر على الحضور؟». وقد أدلى جورجييف بهذه التصريحات على هامش اجتماعات مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ، مشيرًا في الوقت ذاته إلى أنّ الترتيبات اللوجستية ستُبحث فقط بعد تثبيت موعد القمة رسميًا. ويتقاطع هذا الموقف مع تقارير عدة أفادت بأن الكرملين أكّد إجراء اتصال هاتفي الأسبوع الماضي بين بوتين وترامب تطرّقا فيه إلى عقد لقاء في العاصمة المجرية لبحث «سبل دفع حلّ للنزاع الأوكراني»، في ظل حراك دبلوماسي متسارع .

يأتي الموقف البلغاري في سياق تعقيدات لوجستية وقانونية تحيط بأي رحلة محتملة لبوتين إلى داخل الاتحاد الأوروبي. فمن الناحية اللوجستية، لا تتقاسم بلغاريا حدودًا مباشرة مع المجر، لكن البلدين يتجاوران مع صربيا التي تحافظ على علاقات وثيقة مع موسكو ولم تنضم إلى نظام العقوبات الأوروبي على روسيا، ما يجعل المسار الجنوبي عبر الأجواء الصربية ثم البلغارية أو الرومانية خيارًا مطروحًا للتحايل على الحظر الشامل الذي فرضه الاتحاد الأوروبي على عبور الطائرات الروسية أجواء دوله منذ عام 2022. ومن الناحية القانونية، لا تزال مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق بوتين في مارس/آذار 2023 — على خلفية اتهامات تتعلق بجرائم حرب بينها الترحيل غير القانوني لأطفال أوكرانيين — تُقيّد تحرّكاته في دولٍ طرف في نظام روما الأساسي. ورغم أن المجر أعلنت في يونيو/حزيران 2025 بدء إجراءات الانسحاب من المحكمة، فإن الانسحاب لن يصبح نافذًا قبل يونيو/حزيران 2026، ما يعني أنّ التزاماتها القانونية ما تزال قائمة حتى ذلك التاريخ، وهو ما يُلقي بظلالٍ كثيفة على أي ترتيبات أمنية أو بروتوكولية تتصل بدخول بوتين ومغادرته الأراضي المجرية. وفي الخلفية، تُذكّر بروكسل بأن قرار حظر عبور الطائرات الروسية للأجواء الأوروبية يشمل الطائرات الحكومية والخاصة على السواء، الأمر الذي يدفع النقاش نحو استثناءاتٍ محتملة أو ترتيباتٍ ثنائية تمرّ عبر بلدانٍ غير أعضاء في الاتحاد أو لا تُطبّق العقوبات. 

على الصعيد السياسي، يُنظر إلى بودابست بوصفها إحدى العواصم الأوروبية القليلة التي ما زالت تتّخذ موقفًا مغايرًا للسائد في الاتحاد بشأن الانخراط الدبلوماسي مع موسكو منذ اندلاع الحرب الشاملة في أوكرانيا عام 2022. وقد عمل رئيس الوزراء فيكتور أوربان في الأشهر الماضية على تقديم نفسه وسيطًا لإحياء قنوات الحوار بين موسكو وواشنطن وكييف، وهو ما انعكس في مبادرته لاستضافة القمة المرتقبة بين ترامب وبوتين. لكن هذا التموضع أثار انتقادات داخل الاتحاد الذي يواصل تشديد أدواته الاقتصادية والسياسية للحد من قدرة روسيا على تمويل مجهودها الحربي، كان أحدثها اتفاق وزراء الطاقة الأوروبيين أمس على مسارٍ لإنهاء واردات الغاز الروسي تدريجيًا بحلول الأول من يناير/كانون الثاني 2028، مع منح هوامش مرونة محدودة للدول غير الساحلية والمعتمدة تاريخيًا على الإمدادات الروسية، ومن بينها المجر. وفي المقابل، تتصاعد الضغوط على دولٍ مجاورة مثل بولندا التي حذّرت صراحة من عبور أي طائرة تقلّ بوتين أجواءها، مؤكدة أن التزامات الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية تفرض عليها التعاون في تنفيذ المذكرة إذا وطأت أقدام المشتبه به أراضيها أو دخل أجواءها. هذه الإشارات المتضادة بين عواصم الاتحاد تُبرز هشاشة التوازن بين مقتضيات الواقعية السياسية الرامية إلى اختبار فرص «وقفٍ لإطلاق النار» من جهة، والتشبث بالقانون الدولي وآلياته الجنائية من جهة ثانية. 

أما في البلقان، فتبدو صربيا لاعبًا محوريًا في المشهد اللوجستي المحتمل لأي رحلة من موسكو إلى بودابست عبر الممرات الجوية الجنوبية. فبلغراد، الساعية إلى الموازنة بين مسار الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والحفاظ على روابط تاريخية مع روسيا، امتنعت حتى الآن عن مواءمة سياستها الخارجية بالكامل مع بروكسل ورفضت الانضمام إلى حزمة العقوبات على موسكو، على الرغم من النداءات المتكررة من قادة الاتحاد. هذا الموقف يُكسبها صفة «المعبر الممكن» في حال استُبعدت الممرات الشمالية فوق بولندا وسلوفاكيا والتشيك نظرًا للحساسيات القانونية والسياسية. ومع أن الأوروبيين يضغطون لدمج صربيا في منصّات شراء الغاز الجماعي وتقليص اعتمادها على الإمدادات الروسية تدريجيًا، فإن الواقع الطاقوي والاقتصادي يجعل التحوّل الفوري أمرًا بالغ الصعوبة. ومن ثَمّ، فإن أي قرار بلغاري بفتح الأجواء — إذا ترافق مع تعاونٍ صربي — قد يوفّر لبوتين ممرًا منسجمًا مع القيود الأوروبية الحالية، وإن ظلّ عرضةً لجدلٍ قانوني حول طبيعة الطائرة، وصفة الرحلة، وحدود التفويض الوطني في منح الاستثناءات. وهنا يلفت مراقبون إلى أنّ كل دولة عضو تحتفظ، ضمن أطر معيّنة، بمساحة تقدير سيادية في التعامل مع طلبات عبور الطائرات الحكومية الأجنبية، وإن كان ذلك لا يعفيها من الالتزامات الأوسع نطاقًا المنبثقة عن منظومة العقوبات وقرارات الاتحاد. 

كالاس الاتحاد الأوروبي غير قادر على الوفاء بوعده بشأن قذائف أوكرانيا
كالاس الاتحاد الأوروبي غير قادر على الوفاء بوعده بشأن قذائف أوكرانيا

وتحت وطأة هذه التعقيدات، تتبدّى القمة المنتظرة — إن قُدّر لها أن تُعقد — باعتبارها اختبارًا مزدوجًا: اختبارًا لشهية العواصم الغربية على منح الدبلوماسية «فرصة أخيرة» بعد سنوات من الحرب المفتوحة في أوكرانيا، واختبارًا صلبًا لقدرة المؤسسات الأوروبية على صون وحدتها القانونية والسياسية عندما تتعارض اعتبارات «صناعة السلام» مع مقتضيات المساءلة الجنائية الدولية. فبينما يروّج داعمو المسار التفاوضي لفكرة أنّ أي لقاء مباشر بين ترامب وبوتين قد يفتح نافذة لخفض التصعيد العسكري أو تثبيت خطوط تَماسّ تُمهّد لوقف إطلاق نارٍ مستقر، يرى منتقدو الخطوة أنّ الضغط على كييف لتقديم تنازلات إقليمية، أو التعامل مع مذكرة التوقيف بوصفها «تفصيلًا إجرائيًا»، يبعث برسالة خاطئة إلى الضحايا ويُضعف منظومة الردع القانوني التي تأسست بعد عقود من الجرائم الدولية والإفلات من العقاب. ومع أنّ بودابست تجد في دور «الوسيط غير التقليدي» فرصة لإعادة صياغة صورتها داخل الاتحاد، فإنّ كلفة هذا التموضع قد تكون عالية، سواء على صعيد علاقاتها مع الشركاء الأوروبيين أو على مستوى أي تدقيقٍ قانوني لاحق في مدى احترامها لالتزاماتها الدولية خلال الفترة الانتقالية التي تسبق اكتمال انسحابها من المحكمة الجنائية الدولية. وفي كل الأحوال، فإن إشارة صريحة من صوفيا إلى استعدادها لتأمين «الممر الجوي الممكن» تعكس إدراكًا بأن الدبلوماسية — مهما كانت مثقلةٌ بالاشتراطات — تبدأ من تمكين الأطراف من الجلوس على طاولة واحدة قبل أي شيء آخر. 

وفي تفاصيل الخط الزمني للأحداث، تُفيد تقارير روسية ودولية بأن اتصالًا هاتفيًا جرى في 16 أكتوبر/تشرين الأول بين الرئيسين الروسي والأميركي، تلاه حراك على مستوى وزيري الخارجية لترجمة «تفاهمات أولية» إلى جدول أعمالٍ قابلٍ للنقاش في بودابست، مع بقاء الموعد الدقيق طيّ الكتمان إلى حين اكتمال الترتيبات الأمنية واللوجستية. وفي موازاة ذلك، تتكاثر التساؤلات حول المسارات الجوية الممكنة، وحول ما إذا كانت استثناءات «العبور الرسمي» يمكن أن تتجاوز قرار الحظر الأوروبي الشامل على الطيران الروسي. كما تتأرجح مواقف العواصم الأوروبية بين من يلوّح بتطبيقٍ صارم لالتزامات نظام روما — على غرار التحذير البولندي من عواقب عبور بوتين أجواء بلاده — ومن يترك الباب مواربًا أمام «حلولٍ إجرائية» تُراعي مقتضيات الأمن القومي والاعتبارات الدبلوماسية. في هذا السياق، تبدو رسالة بلغاريا بمثابة محاولة لالتقاط العصا من المنتصف: فهي لا تُبدي انحيازًا سياسيًا لموسكو بقدر ما تُحاجج بأنّ تمكين عقد الاجتماع نفسه قد يكون شرطًا أوليًا لاختبار أي مسار تفاوضي جاد، وأنّ رفض المرور الجوي سيجعل فكرة القمة نفسها غير قابلة للتحقّق من الأساس. وبذلك، تتكامل المبادرة البلغارية مع خطابٍ أوسع داخل أوروبا يدعو إلى إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة — ولو على أضيق نطاق — دون التخلي عن المبادئ القانونية التي أرساها النظام الدولي

إرسال تعليق

أحدث أقدم