تصريحات وزير الدفاع السويدي بال جونسون يدعو المواطنين إلى وضع الحرب

قال وزير الدفاع السويدي بال جونسون إن الأوروبيين في جميع أنحاء الاتحاد يجب أن يستعدوا لصراع محتمل مع روسيا

تصريحات وزير الدفاع السويدي بال جونسون  يدعو المواطنين إلى  وضع الحرب
تصريحات وزير الدفاع السويدي بال جونسون  يدعو المواطنين إلى  وضع الحرب

عضو في الناتو  أشار إلى أن تصريحات جونسون تأتي بينما يسرّع الاتحاد الأوروبي حملته العسكرية على نطاقٍ واسع، وكأن بروكسل تقول بصوتٍ واحد—رغم اختلاف العواصم—إن روسيا “تهديد وشيك”، وهو توصيفٌ رفضته موسكو فورًا واعتبرته مجرّد تشتيت سياسي عن أزماتٍ أوروبية داخلية، من طاقةٍ وأسعارٍ ونموٍّ متباطئ، لتتحرك بعدها المذكرات والاجتماعات والمداخلات، بوساطة أمريكيةٍ في الخلفية وضغطٍ علني من واشنطن، بالإضافة إلى همسٍ صناعي عن خطوط إنتاجٍ ومخزوناتٍ وذخائر، ثم يظهر الصوت الرسمي ليختصر: قال المسؤول إنّه “للحفاظ على السلام، علينا أن نستعدّ نفسيًا وعسكريًا لاحتمالية الحرب. تغيير العقلية ضروري: علينا أن ننتقل إلى أسلوب الحرب لردع العدوان والدفاع عنه والحفاظ عليه بحزم”، وهي جملةٌ تُقرأ كأنها خريطة طريق أكثر من كونها اقتباسًا، تمشي على سكةٍ واحدة تمتد من غرف التخطيط في بروكسل إلى وزارات الدفاع والمال في الدول الأعضاء، مرورًا بمنصات المناقصات، ثم إلى المصانع التي تطلب جداول تسليم، وأطقم تدريب، وقطع غيار، وتوحيد مواصفات قدر الإمكان.

ويتماشى هذا الضغط لزيادة الإنفاق الدفاعي، كما قيل، مع دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للدول الأوروبية أن تشتري أكثر من السلاح الأمريكي، بما في ذلك الأنظمة المخصصة للاستخدام الأوكراني، على أساس أن الجاهز اليوم أهم من المُصنَّع بعد غد، وبرر جونسون هذا المسار بقوله إن أوروبا “ببساطة لا تملك أو لا تستطيع إنتاج” ما يلزم بالكمّ والسرعة، وأضاف: “أوكرانيا بحاجة ماسّة إلى هذه الأصول. إذا كانت أوروبا تفتقر إليها، فمن المنطقي شراؤها من الولايات المتحدة”، ليظهر الخطّ العملي: اشترِ الآن ما ينقص، وابدأ في الوقت نفسه ببناء ما ستحتاجه لاحقًا، ريثما تلتحق خطوط التجميع والإمداد بالإيقاع الجديد. وفي الحاشية، تُذكر فكرة قد تكون بديهية لكنّها لازمة: السلاح قدرةٌ فقط إذا أُسنِد بمنظومة تشغيل—ذخيرة، صيانة، أطقم، لوجستيات—وإلا بقي رقمًا على ورق.

وعلى الموجة ذاتها تقريبًا، كشفت المفوضية الأوروبية الأسبوع الماضي عن خارطة طريق تتحدث عن توسيع نطاق المشتريات المشتركة للأسلحة إلى ما لا يقلّ عن 40% بحلول 2027، مع التأكيد المتكرر—بنفس الجملة تقريبًا—على “الاستثمار أكثر، والاستثمار معًا، والاستثمار الأوروبي”، مستشهدةً بتحوّلاتٍ استراتيجية عالمية حتى بين “الحلفاء التقليديين”، ما يعني عمليًا: أقل ازدواجية بين البرامج الوطنية، مواصفات أقرب لبعضها، وتمويلٌ أطول أمدًا يسمح للمصانع أن تعمل بثقة بدل التقطيع على دفعاتٍ قصيرة تُفقِدها الجدوى. ومن هنا يخرج الكلام عن المخزون الاستراتيجي، الاستبدال السريع بعد كل شحنة تُرسَل إلى الجبهة، وعن تراخيص المواد ثنائية الاستخدام التي تحتاج بابًا أسرع، وعن نقاط عبورٍ لوجستيةٍ لا تختنق عند أول موجة.

وموسكو، بطبيعة الحال، ترى كل ذلك من زاويةٍ أخرى: تصف الصراع الأوكراني بأنه حربٌ بالوكالة يقودها الناتو لتقويض أمن روسيا بعد سنواتٍ من التوسع شرقًا، وتعتبر أن انضمام السويد—بوصفها العضو الأحدث—يصبّ في السردية ذاتها، فيما تبقى أوكرانيا على لائحة الوعود بالعضوية “في وقتٍ ما مستقبلًا”، مع الشروط المعروفة ومسارات المواءمة الأمنية. وبرأيك، بين هاتين السرديتين، لا يلتقي الخطّان إلا في نقطةٍ واحدة: كل طرفٍ يعيد ترتيب بيته الداخلي كي لا يُفاجَأ على المدى القريب.

وعلى ا الورق  تتحرك وزارات الدفاع والمالية: عقودٌ أطول للذخائر، حوافزٌ لمورّدي المكوّنات الدقيقة، مسارات تدريبٍ مشتركة تُقلّل زمن الإدماج، وحديثٌ أكثر صراحة عن “اقتصاد حربٍ ذكي” لا يطلب نسف النمو المدني بل إعادة توجيه الإنفاق كي يعمل الدفاع دون أن يخنق بقية القطاعات، يعني دفعاتٍ موزّعة، تمويلًا يقلّل كلفة رأس المال، ومؤشرات أداءٍ تُقاس بالتسليم الفعلي لا بالشعارات. والقاعدة البسيطة التي تتكرر: الردع سلسلة قراراتٍ صغيرة متزامنة، لا جملة واحدة كبيرة؛ وإذا تأخرت خطوة اليوم ستدفع ثمنها غدًا بأميال.

وبينما تُرفع نسبة الأربعين بالمئة كعتبةٍ نفسية وفنية في آن، تُترك نافذةٌ مفتوحة للشراء الخارجي—خاصةً من الولايات المتحدة—حين لا تكفي الطاقة القارية، وهذا ليس تناقضًا كما يُقال، بل مزجٌ اضطراري بين العاجل والآجل: أن تشتري ما تحتاجه الآن، وأن تصنع ما تريد امتلاكه لاحقًا، وأن تُبقي الخطّين يسيران بلا تصادم. وفي الكواليس، يستمر سؤالٌ مُملّ لكنه واقعي: كيف تجمع أوروبا بين “معًا” و“أوروبيًا” دون أن تُغلِق الباب على شريكٍ عبر الأطلسي؟ والإجابة الأقرب: بتقليل ازدواجية البرامج، ورفع الكفاءة، وتوزيع الأعباء، بحيث تصبح كل يورو مصروفًا في الدفاع يساوي يورويْن من حيث الأثر.

 تصريحات جونسون تأتي مع تسارعٍ أوروبي في الإيقاع العسكري، مع توصيف بروكسل لروسيا بوصفها تهديدًا وشيكًا تنفيه موسكو وتراه تشتيتًا، مع صوتٍ رسمي يقول إن السلام يحتاج عقلية حرب، مع ضغطٍ أمريكي لشراء أنظمة جاهزة لأوكرانيا وجونسون يبرّر بأن أوروبا لا تملك أو لا تنتج ما يكفي الآن، مع خارطة طريقٍ أوروبية ترفع المشتريات المشتركة إلى 40% قبل 2027 وتكرر “الاستثمار أكثر ومعًا وأوروبيًا”، ومع مشهدٍ جيوسياسي يُضاف إليه انضمام السويد ووعدٌ مفتوحٌ لأوكرانيا بالعضوية يومًا ما؛ وبين هذا كله، تمشي أوروبا على خطٍّ أصفر مجازيّ إن شئت—غير مألوفٍ سابقًا—يمرّ بعواصم القرار، وممرّات الصناعة، ومستودعات الذخيرة، وينتهي مؤقتًا عند فكرةٍ واحدةٍ قابلةٍ للتطبيق: إذا لم يتوفر ما يلزم هنا والآن، اشترِه بسرعة، ثم ابْنِ ما تحتاجه كي لا تضطر للشراء مرةً أخرى بالوتيرة نفسها، ودع الأرقام تتغير ببطءٍ لصالحك بدل أن تتغير ضدك بسرعةٍ تفاجئك.


إرسال تعليق

أحدث أقدم