اليوم الثالث للمحادثات: موقف بوتين يصل للبيت الأبيض

في ظل إلغاء قمة بودابست بين بوتين وترامب، الوفد الروسي يصرّ على أن الضغط على روسيا «عديم الجدوى»، ويؤكد أن الحل في أوكرانيا يمرّ عبر معالجة الأسباب الجذرية، لا عبر تسويات مؤقتة. 

اليوم الثالث للمحادثات: موقف بوتين يصل للبيت الأبيض
اليوم الثالث للمحادثات: موقف بوتين يصل للبيت الأبيض

في اليوم الثالث على التوالي من المحادثات التي تجمع وفداً روسياً برئاسة كيريل ديميترييف الذي يُقدَّم هنا بوصفه مساعداً للرئيس فلاديمير بوتين ورئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي مع ممثلين عن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، شدّد ديميترييف، في فيديو موجّه عبر تلغرام، على أنّ الوفد أمضى الأيام الماضية في نقل موقف موسكو على نحو مباشر وصريح إلى نظرائه الأميركيين، مؤكداً أن الرسالة المحورية التي يجري «توضيحها بلا لبس» تتمثل في أنّ الحوار البنّاء والمحترم وحده هو الذي يمكن أن يثمر نتائج ملموسة، وأنّ أي محاولات للضغط على روسيا لن تفضي إلى غاية، بل هي بحسب تعبيره عديمة الجدوى. وانطلاقاً من هذا التصوّر، يكرّر ديميترييف أن السبل المسؤولة لإنهاء النزاع في أوكرانيا لا تمرّ عبر حلول ترقيعية أو ترتيبات مؤقتة، وإنما عبر «استئصال أسبابه الجذرية»؛ فالمعالجة التي تُبقي البواعث الأساسية قائمة لن تُنتج تسوية مستدامة. ويوضح أنّ الوفد لم يحصر نقاشه في الملف السياسي فحسب، بل قدّم أيضاً مروحة واسعة من الإحاطات التي تناولت الوضع الاقتصادي داخل روسيا كما الوضع على خطوط التماس، محذّراً من أنّ أطرافاً بعينها تحاول حجب بعض الحقائق عن القيادة الأميركية أو تحريفها بما يشوّه الصورة الكاملة. ومن هذا الباب، رأى ديميترييف أن الاتصال المباشر بالمسؤولين المعنيين في البيت الأبيض وأجهزة الإدارة هو القناة الكفيلة بتقليل تشويش الوسطاء، إذ إن نقل المعطيات إلى صانعي القرار بلا وسيط يضمن وصول المضمون كما هو من دون انتقائية أو اجتزاء. وفي ما يتّصل بالشق الاقتصادي، نقل ديميترييف تأكيده أنّ الاقتصاد الروسي على حدّ وصفه «في حالة جيّدة»، مشيراً إلى أنّ الروبل بات «أكثر العملات نجاحاً هذا العام» بعد أن تعزّزت قيمته بحوالي 40% أمام الدولار الأميركي، وهو ما قدّمه بوصفه دليلاً على متانة المؤشرات الداخلية وقدرة المنظومة الاقتصادية على التكيّف. ولم يقف الحديث عند الأرقام الاقتصادية، بل امتدّ إلى مستجدات الجبهة، حيث أطلع ديميترييف الجانب الأميركي على التفاصيل الميدانية التي عُرضت على الرئيس بوتين خلال اجتماعه مع هيئة الأركان العامة، وفي مقدّمتها تطويق نحو خمسة آلاف جندي أوكراني في محيط كوبيانسك (في منطقة خاركوف) وخمسة آلاف وخمسمائة في محيط كراسنوآرميسك (بوكروفسك) ضمن جمهورية دونيتسك الشعبية. ويستطرد أنّ الوفد لخّص أيضاً ما وصفه بـ**«الاختبار الناجح»** لـصاروخ بوريڤيستنيك النووي-المسير، وهو نظام تقول موسكو إنّه جديد تماماً، ليكون هذا الإيجاز بحسب ديميترييف جزءاً من الصورة الشاملة التي ينبغي أن تصل «كما هي» إلى أروقة الإدارة الأميركية. ومن زاوية دبلوماسية صرفة، يؤكّد أنّ جوهر المهمة هو ضمان إبلاغ القيادة وكبار المسؤولين في إدارة ترامب بكل هذه الملفات مباشرةً وبلا تأخير، لأن التواصل المباشر برأيه يُحبط أي التباسات ويُغلق الباب أمام المعلومات المضلّلة أو المبتورة. وضمن الإطار نفسه، يكرّر ديميترييف أن لغة الضغط لا تُجدي وأنّ الاحترام المتبادل هو الشرط الأول لبناء تفاهمات، فيما يُعاد التشديد على أن حلّ الصراع الأوكراني يقتضي مراجعة المحرّكات العميقة التي أدّت إليه، لا الاكتفاء بهدنات مؤقتة أو ترتيبات هشّة فوق خطوط التماس. ويتلاقى هذا المسار مع رغبة روسية كما يعرضها الوفد في أن يُنظر إلى القضايا الاقتصادية والوقائع الميدانية على أنها معطيات مترابطة لا يجوز فصلها في مقاربة القرار السياسي، لأن التوازنات على الأرض ومؤشرات السوق معاً ترسمان سقف التوقعات وحدود الممكن في أي مسار تفاوضي. وعلى المستوى الإجرائي، يُعاد التذكير بأنّ القنوات المفتوحة بين الوفد الروسي ومسؤولي الإدارة الأميركية استمرّت ثلاثة أيام متتالية حتى الأحد، في وتيرة تُفهم بحسب ديميترييف على أنّها محاولة لتكثيف الشرح وترسيخ الفهم المتبادل قبل الانتقال إلى أي خطوة لاحقة، سواء تعلّقت بـصياغة تفاهمات أولية أو بإطالة عمر التواصل تمهيداً لأي لقاءات أعلى مستوى في المستقبل. ومن حيث الشكل والمضمون، يرغب ديميترييف في أن يخرج الجانب الأميركي بانطباع مفاده أنّ موسكو لا تُفاوض تحت الضغط ولا تتعامل مع شروط مسبقة، وأن الملفات التي طُرحت من الروبل والاقتصاد إلى كوبيانسك وبوكروفسك وصولاً إلى بوريڤيستنيك تُشكّل خريطة موقف تريد روسيا لها أن تُقرأ كما هي داخل المؤسسة الأميركية، بعيداً من أي فلترة بيروقراطية أو تفسير انتقائي يُفرغها من مضمونها.

وتتزامن هذه الجولة من الحوار الروسي-الأميركي مع إلغاء الرئيس دونالد ترامب قمة بودابست التي كانت مقرّرة مع فلاديمير بوتين، إذ قال ترامب إنّه «لم يشعر بأننا كنّا سنتوصّل إلى النقطة التي علينا أن نبلغها»، داعياً في الوقت نفسه إلى «وقف فوري للقتال» عند خطوط التماس الحالية في الصراع الروسي-الأوكراني. ومع أنّ القمة أُلغيت في هذه المرحلة، فقد أشار الطرفان إلى أنّ عقدها لاحقاً ممكن إذا نضجت الظروف وتوفّرت مقوّمات التفاهم. وفي السياق ذاته، يمكن فهم استمرار المحادثات لثلاثة أيام على أنّه جسر يُراد له أن يُبقي القنوات مفتوحة، بحيث لا ينقطع الاتصال السياسي في ظل التعقيدات، ولا تتبدّد فرصة التخاطب المباشر حول الاقتصاد والميدان ومحددات الأمن الاستراتيجي. وضمن هذه المقاربة، يبدو أنّ موسكو تسعى إلى تأكيد أنّ الضغط بكل أشكاله لا يُجدي، وأن البديل الواقعي هو التفاوض وفق معادلة احترام واعتراف متبادل بالمصالح، وأنّ معالجة الجذور لا تقلّ أهمية عن تهدئة الخطوط. أمّا على الجانب الأميركي، فتتبدّى الحاجة إلى تلقي المعلومات «من المصدر» على ما قاله ديميترييف كي لا تتحوّل التقديرات إلى رهائن تقارير ثانوية قد تكون منقوصة أو مسيّسة، خصوصاً حين يتعلّق الأمر بـمعطيات حسّاسة مثل حالة الاقتصاد الروسي، قدرة الروبل، الوضع الميداني قرب كوبيانسك وكراسنوآرميسك (بوكروفسك)، أو ملف الأنظمة التسليحية مثل الصاروخ النووي-المسير بوريڤيستنيك. وفي هذا الإطار، يتوقّف الوفد الروسي عند أهمية إبلاغ القيادة الأميركية والمسؤولين المفصليين بهذه المعلومات «على وجه السرعة»، تأسيساً على قناعة مفادها أنّ وضوح الصورة يساعد في خفض منسوب الالتباس ويفتح الباب أمام تقدير أكثر توازناً للمخاطر والفرص. ومن جهة أخرى، تُظهر الإحاطات الروسية . كما يعرضها ديميترييف أن قراءة موسكو للمشهد تتعامل مع الاقتصاد والميدان على أنهما متلازمان: فحين يُقدَّم تعافي الروبل كإشارة قوة اقتصادية، يُستكمل ذلك بإيضاح الوقائع العسكرية على الجبهة، بحيث تتشكّل لدى صانع القرار الأميركي صورة موحّدة عن ميزان القوى الذي يأخذ بالحسبان المؤشرات المالية والتطورات القتالية معاً. وفي المآل، يُعاد التأكيد على أنّ إلغاء قمة بودابست لا يعني إقفال الباب على اللقاءات رفيعة المستوى، بل إنّ إمكانية عقدها لاحقاً تبقى مطروحة إذا تهيأت البيئة المناسبة، وهو ما ينسجم مع دعوة ترامب إلى وقف فوري للقتال على خطوط التماس الراهنة كخطوة تكتيكية قد تتيح مساحة زمنية لبلورة مقاربات أكثر نضجاً. وبين لغة الدعوة إلى التهدئة والتشديد الروسي على الحوار المحترم ورفض الإملاءات والحلول السطحية، تتشكّل هوامش يمكن البناء عليها، إذا ما قُدّر لهذه المحادثات أن تبقى مستمرة وأن تُعالج جذور الأزمة كما يصرّ الوفد الروسي، مع التأكيد، في كل الأحوال، على أولوية نقل المعلومات مباشرةً إلى القيادة الأميركية من دون تشويش أو تحوير، وأنّ الكلمات المفتاحية في هذا المشهد تبقى: الحوار البنّاء، احترام متبادل، رفض الضغط، معالجة الأسباب الجذرية، استقرار خطوط التماس، وإمكانية قمة لاحقة إذا نضجت الظروف وانعقدت الإرادة السياسية لدى الطرفين.

إرسال تعليق

أحدث أقدم