لماذا يُغيِّر البنتاغون تموضع حاملة الطائرات جيرالد فورد الآن؟

حاملة الطائرات جيرالد فورد تتجه إلى الكاريبي , لماذا يُغيِّر البنتاغون تموضع أقوى مجموعة ضاربة لديه الآن؟

لماذا يُغيِّر البنتاغون تموضع حاملة الطائرات جيرالد فورد الآن؟
لماذا يُغيِّر البنتاغون تموضع حاملة الطائرات جيرالد فورد الآن؟ 

في مساء الجمعة 24 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أكّد البنتاغون أنّ حاملة الطائرات النووية الأميركية «يو إس إس جيرالد آر. فورد» (CVN-78) ستغادر مسرح البحر المتوسط إلى منطقة مسؤولية القيادة الجنوبية الأميركية (USSOUTHCOM)، أي مياه الكاريبي والسواحل القريبة من فنزويلا وأميركا الجنوبية. القرار، كما في بياناتٍ وتصريحاتٍ متعددة صدرت اليوم، لا يضيف سفينةً كبيرة فحسب؛ بل يرفع سويّة القوة البحرية والجوية الأميركية في الإقليم إلى مستوى غير مسبوق منذ عقود، وسط توتّر متصاعد مع حكومة نيكولاس مادورو في كاراكاس.

لكن خلف العناوين الصاخبة، ثمّة حياةٌ تتحرّك: بحّارة على متن «فورد» يحزمون معداتهم، عائلات في نورفolk وجاكسونفيل تُعيد حساب تقويماتها، ومسيّرو سفنٍ تجارية في الممرّات البحرية للكاريبي يتابعون إشعارات الـNOTAM وNAVWARN بحثًا عن مناطق إغلاق جديدة. وبين موجةٍ وأخرى، تُصقَل «رسالة» واشنطن لخصومها  ولشركائها أيضاً  على حدّ سواء.

ما الذي تغيّر اليوم تحديدًا؟ الوقائع أولًا

جوهر القرار: وزارة الدفاع أعلنت توجيه «مجموعة الضربة» الخاصة بـ«فورد» إلى نطاق «سوثكوم» لتعزيز القدرة على «اكتشاف ومراقبة وتعطيل» الأنشطة غير المشروعة  وعلى رأسها شبكات التهريب البحري. وهذه هي المرة الأولى التي تُدفَع فيها أحدث حاملات الولايات المتحدة وأكبرها إلى مسرح الكاريبي بهذا الوضوح العملياتي. 
أين كانت «فورد»؟ حتى وقتٍ قريب هذا الأسبوع كانت في أوروبا  رُصدت عبر منافذ إعلامية وهي في الأدرياتيكي (كرواتيا) بعد مرورها عبر مضيق جبل طارق  ضمن انتشارها في البحر المتوسط قبل صدور الأمر الجديد.
مكوّنات القوة المُرافِقة: تختلف التقارير في تفاصيل سفن المرافقة، لكن رويترز تُشير اليوم إلى أن التشكيل الذي يرتبط بـ«فورد» يضم الطراد «نورماندي» من فئة «تايكوندروغا» ومدمّرات «توماس هدنر» و«رامِج» و«كارني» و«روزفلت» من فئة «آرلي بيرك». هذه هي اللائحة المُثبتَة في تقريرهم حتى ساعة النشر. (مهم: بعض التسميات المتداولة شعبيًا مثل «ماهان»، «تشرشل»، «بينبريدج»  لا تظهر في قوائم اليوم لدى المصادر الكبيرة).
قوّات أميركية موجودة أصلًا في الميدان: قبل «فورد»، توجد مجموعة الاستعداد البرمائية «آيغو جيما» (Iwo Jima ARG) مع عناصر من قوّة مشاة البحرية/MEU-22، وقد نفّذت تدريبات في جنوب بورتوريكو وبمياه الكاريبي خلال سبتمبر، ما يعكس تراكمًا متدرّجًا للقوة البحرية منذ أواخر الصيف. 
السردية الرسمية للتصعيد: البنتاغون يربط الخطوة بحملةٍ متسارعة ضد زوارق يُزعَم استخدامها لتهريب المخدرات  بعضها من/إلى فنزويلا  مع توثيق تنفيذ ضربات بحريّة عدّة منذ مطلع سبتمبر. اليوم تحدّثت وكالات كبرى عن حصيلة قتلى قاربت العشرات على امتداد أسابيع العمليات. 

لماذا «فورد» بالذات؟ لغة القدرة قبل السياسة

على ظهر «فورد» ما يفوق 75 طائرة (مقاتلات F/A-18، طائرات إنذار مبكر E-2، ومروحيات متخصّصة). ومنصّاتُها ونُظُمها الرادارية وأنظمة «الإقلاع الكهرومغناطيسي» EMALS تمنح الجيش الأميركي قوسَ خياراتٍ واسعًا: من الاستطلاع الجوي واسع النطاق، مرورًا بدوريات «الكاب»، إلى الضغط الجوي/البحري طويل الذراع. حين تتحرّك حاملة بهذا الحجم، فإنها لا تُحسّن فقط مهمّات الاعتراض البحري؛ بل تُقصر زمن الاستجابة لأي سيناريو مفاجئ  وهذا هو جوهر «الردع المرن» الذي تريد واشنطن بثّه قرب فنزويلا. 

البُعد الإنساني: قصص على الهامش لا تظهر في بيانات العمليات

في مايابيز وبونسيه جنوب بورتوريكو، يراقب صيادو السمك خرائط الطقس، لكنهم اليوم يقرأون أيضًا بيانات حرس السواحل ومواعيد الرمايات الحيّة للقوات البحرية، لأن أي إعلان إغلاق مؤقّت للمناطق قد يعني رحلة صيد ضائعة أو تكلفة وقودٍ إضافية والعودة بخفيّ حُنين. على الرصيف، يرسم طفلٌ صغير على دفتره حاملة طائرات شاهقة بعدما شاهد مقطعًا قصيرًا على هاتف والده لزوارق «LCAC» تنقل مركبات المارينز خلال تدريبٍ قرب الشاطئ  مشهدٌ مرّ قبل أسابيع، لكنه ترك أثرًا رائعًا في خيال الصغار الذين لا يرون كل يوم سفنًا بهذا الحجم.

في نورفolk، على الجانب الآخر من المحيط، تنظر سارة  زوجة ميكانيكي طيران في الجناح الجوي للحاملة  إلى التقويم وتعيد ترتيب جدول أطفالها. كانت تظن أن جولة البحر المتوسط ستطول قليلًا ثم يعود زوجها مع أوائل الشتاء؛ الآن تغيّر كل شيءٍ في مكالمةٍ مسائيةٍ مقتضبة: «كاريبيو… أوامر جديدة». تفاصيل صغيرة  تسليم سيارة للصيانة، حفلة ميلاد، زيارة إلى المدرسة  تتحوّل فجأة إلى أحجية لوجستية. هكذا تتسرّب قرارات السياسة إلى الحياة اليومية لآلاف العائلات.

«القطاع الرمادي» بين المخدرات والسياسة

تؤكّد مصادر رسمية أن الهدف عملياتيّ بحت: «تعطيل المنظمات الإجرامية العابرة للحدود». لكن محلّلين إقليميين يلاحظون أنّ الرسالة السياسية لا تقلّ أهمية: ضبط خطوط التهريب البحرية يضرب التمويل الذي تعتمد عليه شبكات الولاء العسكري/الأمني في فنزويلا، ويشدّ الخناق الاقتصادي والسياسي في آنٍ واحد. ومع أن الفنتانيل الذي يحصد معظم الوفيات في الولايات المتحدة يأتي برًّا من المكسيك لا بحرًا من الكاريبي، فإن الدفع بحاملةٍ نووية يوحي بأن ردعًا أبعد من مكافحة التهريب قيد التشكل ردعٌ موجّه لحكوماتٍ وفاعلين مسلّحين معًا. هذا ما تلتقطه تغطيات صحفية اليوم وهي تربط بين «رفع المظلّة» العسكرية في الكاريبي وبين توجيه ضغط استراتيجي مباشر على كاراكاس

ماذا عن المخاطر؟ ثلاث دوائر للقلق

التصعيد غير المقصود: مع ازدياد وتيرة الضربات على زوارق مشتبه بها، يعلو قلق قانونيين ومنظمات حقوقية من معايير الاستهداف، واحتمالات الخطأ والضحايا المدنيين، ومن اتساع تعريف «النشاط المعادي» في بيئة بحرية مزدحمة. أسئلةٌ عن إطار «تفويض استخدام القوة» تظهر بقوة في الكونغرس والإعلام اليوم. 
الأثر على الشركاء: دول الكاريبي، وبعضها يعتمد على السياحة والمرافئ، لا تريد أن تتحوّل مياهها إلى مسرح «احتكاك دائم». وجود حاملة يرفع الصورة الأمنية ويضغط على حكوماتٍ لتحسين مراقبة السواحل  وهذا مرغوب  لكنه قد يحرجها داخليًا إن بدا وكأنه توطين دائم لبحرية أجنبية قرب سواحلها.
حسابات كاراكاس: مادورو يُصعّد خطاب التعبئة الداخلية ويتوعّد «مقاومة شعبية» لأي تدخّل، وقد أعلن تدريباتٍ دفاعية على امتداد الشريط الساحلي. توسيع الحضور الأميركي قد يُحفّز ردود فعل رمزية أو هجينة (حشود بحرية/جوية، تمرينات، حرب كلامية)، وكلّها تزيد احتمالات سوء التقدير. 

أين تقف «مجموعة آيغو جيما» من الصورة؟

وجود ARG «آيغو جيما» مع عناصر MEU-22  والمناورات التي ظهرت علنًا في جنوب بورتوريكو أوائل ومطلع سبتمبر  يعني أن البنية التحتية اللوجستية والتكامل البيني (بحرية/مارينز/حرس السواحل/الحرس الوطني) أُنشئ فعلاً قبل وصول «فورد». عمليًا: حين ترسو حاملة طائرات في المسرح، تجد شبكة اتصالات ومناطق تدريب وإسنادٍ بري جاهزة، بدل البدء من الصفر. ذلك يختصر منحنى الجاهزية من أيامٍ إلى ساعات. 

تصحيح أسماء المدمّرات… ولماذا يهم ذلك؟

تنتشر على وسائل التواصل قوائم متباينة بأسماء مدمّرات «آرلي بيرك» التي «سترافق فورد». القاعدة الذهبية في الأيام الأولى لأي انتشار: التشكيلات تتبدّل بحسب مهام التزود وتموضع الوحدات في مسار التحرك. حتى ساعة نشر هذا المقال، يثبت تقرير رويترز أن السفن الداعمة ضمن مجموعة «فورد» تشمل «نورماندي» (طراد) والمدمّرات «توماس هدنر»، «رامج»، «كارني»، «روزفلت». أسماء مثل «ماهان» و«ونستون إس. تشرشل» و«بينبريدج» ليست مذكورة في قوائم اليوم لدى المصادر الأساسية التي راجعناها؛ لذا لا نعرضها كحقيقة هنا. قد تنضم سفنٌ أو تُستبدل خلال التحرك  وهذا نمط مألوف  لكن الحقائق تُروى وفق ما هو مؤكّد اليوم

ماذا يعني هذا غدًا؟

تكتيكيًا: سنرى على الأرجح زيادةً في الطلعات الجوية الاستطلاعية فوق الممرات الأكثر استخدامًا للزوارق السريعة (go-fast boats)، وتوسيع نطاق «الوجود المرئي» للسفن الأميركية قرب نقاط الاختناق. هذا قد يدفع المُهرّبين إلى طرق أطول وأغلى  وهو هدف بحد ذاته.
سياسيًا: وجود «فورد» يجعل كل عاصمةٍ في حوض الكاريبي تعيد حساباتها: من هافانا إلى بوجوتا وباربادوس. رسالة واشنطن واضحة: «نملك الإرادة والقدرة ونبذل الموارد». ردود الأفعال قد تتراوح بين تعميق التنسيق مع الولايات المتحدة وبين انتقاداتٍ سيادية من عواصم لا ترغب برفع منسوب العسكرة في مياهها.
إنسانيًا/اقتصاديًا: إذا تكرّر إغلاق مناطق بحرية للتدريب أو الرماية، فقد يشعر صيادو الكاريبي بضغطٍ إضافي على رزقهم. وفي بورتوريكو، سيتقاطع النشاط العسكري مع مواسم السياحة والموانئ  إدارة هذا التداخل اختبار حوكمة محلي بقدر ما هو اختبار عملياتي للعسكر. 

إرسال تعليق

أحدث أقدم