هل أمر ترامب بضربة ضد فنزويلا أم لا؟

 تحليل شامل لتصريحات ترامب ونفي الضربة العسكرية ضد فنزويلا في سياق آخر أخبار اليوم

هل أمر ترامب بضربة ضد فنزويلا أم لا؟
هل أمر ترامب بضربة ضد فنزويلا أم لا؟

في تصريح مقتضب على متن طائرة الرئاسة الأمريكية، أجاب دونالد ترامب بكلمة واحدة "لا" عندما سئل عما إذا كان قد قرر تنفيذ ضربة عسكرية إلى أهداف داخل فنزويلا، قائلاً: "لا، ليس صحيحًا". بهذا الجواب، حاول الرئيس الأمريكي إنهاء سلسلة التكهنات التي انتشرت في الساعات الأخيرة بشأن نية البيت الأبيض اتخاذ خطوة عسكرية عبر شن هجوم داخل الأراضي الفنزويلية على مواقع مدنية وعسكرية تتهمها واشنطن بالارتباط بعمليات تهريب المخدرات. جاءت هذه التكهنات بعد تقارير أفادت بأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) حددت أهدافًا داخل فنزويلا، تشمل موانئ ومطارات تحت السيطرة العسكرية التي تتهمها الولايات المتحدة بأنها جزء من شبكة لوجستية تتعاون مع ما يُعرف بكارتل الشمس. رغم أن الهدف المزعوم لهذه الضربات هو محاربة تهريب المخدرات، كما ورد في التقارير، فإن الدلالة السياسية والعسكرية ستكون تصعيدًا واضحًا ضد حكومة كاراكاس على غرار الضربات السابقة التي استهدفت قاربًا اتهمته واشنطن بالاتجار غير المشروع، والتي اعتُبرت وسيلة ضغط على حكومة الرئيس نيكولاس مادورو ومحاولة لتقويض النظام الشافيزي. وفي مواجهة التسريبات التي انتشرت، طرحت صحيفة "ميامي هيرالد" سيناريو أكثر استعجالًا، قائلة إن التنفيذ قد يكون مسألة أيام أو حتى ساعات، قبل أن تخرج المتحدثة باسم البيت الأبيض، آنا كيلي، وتنفي ذلك وتحذر من الاعتماد على مصادر مجهولة، مؤكدة أن أي إعلان يتعلق بالسياسة تجاه فنزويلا سيصدر مباشرة عن الرئيس. هذا كله أعاد النقاش إلى نقطة البداية، وهي ما إذا كان النفي الرئاسي يكفي حقًا لإغلاق الملف، أم أنه مجرد تماشٍ مع حسابات التوقيت وإدارة الرسائل في سياق أكبر من الضغط السياسي والعسكري. على مدار الشهرين الماضيين، نفذت القوات الأمريكية خمسة عشر هجومًا خارج نطاق القضاء ضد ست عشرة سفينة، بما في ذلك غواصة، في مياه الكاريبي والمحيط الهادئ، قُتل خلالها ما لا يقل عن واحد وستين شخصًا حسب التقارير الصحفية. وتتّهم واشنطن حكومة فنزويلا بإدارة منظمة إجرامية متورطة في تهريب المخدرات، وتذكر أن السلطات الأمريكية ضاعفت في أغسطس الماضي المكافأة لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على مادورو إلى خمسين مليون دولار، كما تعرض مكافآت بقيمة خمسة وعشرين مليون دولار لكل من عدد من كبار مساعديه، بمن فيهم وزير الداخلية ديوسدادو كابيلو ووزير الدفاع فلاديمير بادرينو لوبيز. هذه الوقائع، إذا وُضعت إلى جانب النفي الرئاسي، تفتح باب التأويلات حول استراتيجية مزدوجة، تجمع بين خطاب رسمي يعلن التريث ولغة عملياتية تستمر في إظهار القدرة على الضرب والتعقب والإرباك، مما يجعل خبر اليوم جزءًا من مشهد أعقد ضمن آخر أخبار اليوم بالنسبة للمنطقة.

لم يتوقف المسار عند التصريحات والتسريبات، بل تجاوزها إلى حركة عسكرية واسعة تم وصفها بأنها غير مسبوقة في أمريكا الجنوبية. ففي الوقت الذي تستمر فيه العمليات ضد قوارب يشتبه في تورطها في الاتجار غير المشروع، أعلن البيت الأبيض عن تعبئة بحرية وجوية ضخمة تشمل نحو عشرة قطع بحرية من ضمنها غواصة نووية، بالإضافة إلى تعزيز يضم حوالي عشرة آلاف عسكري في نطاق نفوذ القيادة الجنوبية. وفي خطوة لافتة، أمر ترامب يوم الجمعة الماضية بإرسال أكبر وأحدث حاملة طائرات في الأسطول الأميركي، وهي جيرالد آر فورد، إلى الكاريبي، وكانت السفينة في ذلك الوقت متمركزة في أوروبا، وقد عبرت مضيق جبل طارق ومن المتوقع أن تصل إلى المنطقة في مطلع الأسبوع المقبل، حسبما تذكر التقارير. وإذا كانت الخرائط العملياتية التي تحدثت عنها صحيفة وول ستريت جورنال صحيحة، فإن أي ضربة كانت ستوجه من الجو مع اختيار أهداف دقيقة لتقليل الأضرار الجانبية وتعزيز الرسالة السياسية والعسكرية في آن واحد. ومع ذلك، فإن إجابة "لا" التي قالها دونالد ترامب تضعنا أمام سابقة سابقة من الإدارة نفسها في التعامل مع الملفات الحساسة، فقد استعاد مراقبون في واشنطن واقعة يونيو الماضي عندما تحدثت الصحيفة نفسها عن ضربة أميركية وشيكة ضد ثلاثة مواقع إيرانية لتخصيب وتخزين اليورانيوم في فوردو ونطنز وأصفهان، ثم امتنع الرئيس عن تأكيد الخطة وغادر للعب الغولف قبل أن تسقط القنابل في اليوم التالي على تلك المواقع حسب التسلسل الذي نُقل في ذلك الوقت. لذا فإن الرمزية التي تحملها كلمة "لا" هنا ليست نهاية القصة، بل هي أداة لضبط إيقاع توقعات الأسواق والفاعلين الدوليين وحلفاء واشنطن وخصومها على حد سواء، مع إبقاء الباب مفتوحًا للسيناريوهات سواء عبر الاستمرار في عمليات الاعتراض البحرية أو توسيعها جوًا دون إعلان مسبق. ويعزز هذا التحليل أن إدارة ترامب تصف طواقم القوارب المشتبه بها بأنها بمثابة جيش يشن حربًا على الولايات المتحدة عبر إغراقها بالفنتانيل والكوكايين، وأن العمليات الحالية بدأت منذ أغسطس ضمن مقاربة تجمع بين الردع الميداني وزيادة الضغط القضائي والدبلوماسي والإعلامي على نيكولاس مادورو. إن ربط هذه الوقائع مع حشد عسكري ثقيل، مثل وجود حاملة طائرات مجهزة بطواقم تتجاوز خمسة آلاف بحار وأسراب جوية قادرة على الضرب السريع، يعطي انطباعًا بأن السياسة تجاه كاراكاس تتحرك على مسارين متوازيين: مسار بناء تدريجي للقدرة والانتشار، ومسار الخطاب السياسي الذي يترك مجالًا للمناورة. وبين هذين المسارين، تهندس واشنطن رسائلها باتجاه الداخل الأميركي والرأي العام اللاتيني، وتبقي خصمها في حالة ترقب دائم بما يحقق أقصى مردود من الضغط بأقل تكلفة سياسية يمكن تحملها في هذه المرحلة. وهنا يصبح الحاضر الإخباري جزءًا من طريقة إدارة التوقعات، وهو ما يجعل المادة الحالية من أهم عناصر آخر أخبار اليوم لمن يتابعون الملف الفنزويلي أولًا وللمهتمين بجغرافيا الأمن في نصف الكرة الغربي ثانيًا.

ورغم أن المعنى المباشر لتصريح "لا" واضح، فإن امتداداته تثير أسئلة ضرورية حول حدود التحرك الأميركي ونتائجه المحتملة. فالبيت الأبيض يؤكد أن أي إعلان بخصوص فنزويلا يجب أن يصدر مباشرة عن الرئيس، لكن هذا لا يلغي طبيعة النظام المؤسسي الذي يتيح تعدد دوائر القرار والتقدير الاستراتيجي بين الطواقم العسكرية والاستخباراتية والدبلوماسية. في المقابل، تتعامل كاراكاس مع هذه الإشارات باعتبارها جزءًا من حملة ضغط مزمنة تستهدف الشرعية السياسية لمادورو، الذي تتهمه أجزاء واسعة من المجتمع الدولي بأنه انتزع الفوز بالانتخابات من المعارضة التي تقودها ماريا كورينا ماتشادو، الحائزة حديثًا على جائزة نوبل للسلام وفقًا للتقارير الصحفية. ولهذا، فإن كل خبر عن استهداف لوجستي أو عقائدي أو قانوني يُقرأ في فنزويلا من زاوية تأثيره على تماسك الجبهة الداخلية وقدرة الحكومة على إعادة إنتاج خطاب السيادة ومواجهة التدخل. أما إقليميًا، فإن دول الجوار تتابع المشهد بدقة، لأن أي تصعيد عسكري واسع سيكون له ارتدادات على حركة اللجوء والتجارة وأمن الحدود، وعلى توازنات داخل منظمة الدول الأميركية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم